موجود، وهو في الحقيقة معدوم، فلا تشبيه بينهما. وإن كنت قائلا بالحقيقة الواحدة التي يظهر في مقام جمعه بالإلهية وفي مقام تفصيله بالمألوهية، فإياك أن تنزه فقط، بل لك أن تنزه في مقام التنزيه، وتشبه في مقام التشبيه.
(فما أنت هو، بل أنت هو وتراه في * عين الأمور مسرحا ومقيدا) أي، فلست أنت هو، لتقيدك الظاهرة وإمكانك واحتياجك إليه، باعتبار أنك غيره، وأنت هو، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة بصفة من صفاته في مرتبة من مراتب وجوده. فترجع ذاتك وصفاتك كلها إليه. قوله: (وتراه في عين الأمور) أي، وترى الحق في عين الأشياء مسرحا ومقيدا، على اسم المفعول، أي، تراه مطلقا بحسب ذاته، ومقيدا بحسب ظهوره في صفة من صفاته. وعلى اسم الفاعل، أي، تراه مبقيا للوجود على إطلاقه في عين المقيدات ومقيدا له في مراتب ظهوراته. والثاني أنسب لتناسب الأبيات الأول. وعلى التقديرين هما منصوبان على الحال.
(قال تعالى: (ليس كمثله شئ) فنزه، (وهو السميع البصير) فشبه. قال تعالى: (ليس كمثله شئ) فشبه وثنى، (وهو السميع البصير) فنزه وأفرد). اعلم، أن (الكاف) تارة تؤخذ زائدة، وأخرى غير زائدة. فعلى الأول معناه التنزيه، لأنه نفى أن يماثله شئ بوجه من الوجوه، وقوله: (وهو السميع البصير) تشبيه، لأنهما يطلقان عليه تعالى وعلى غيره من العباد. وعلى الثاني معناه: ليس مثل مثله شئ. فشبه بالمثل في نفى المثل عن المثل، وثنى أيضا بإثبات المثل، ونزه بقوله:
(وهو السميع البصير). فإن السمع والبصر في الحقيقة لله لا لغيره. وفي علم الفصاحة والبلاغة مبين أن الضمير إذا قدم وخبره معرف باللام، يفيد الحصر.
كقولك: فلان هو الرجل. أي، الرجولية منحصرة فيه وليست لغيره. كذلك هاهنا. أي، هو السميع البصير لا غيره. فيفيد حصرهما فيه، وهو الإفراد والتنزيه عن النقصان، وهو عدم السمع والبصر. وإنما جعل السمع والبصر في الأول تشبيها وفي الثاني تنزيها، ليجمع بين التنزيه والتشبيه، وهو مقام الكمال. ولما