شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٠٨
الإنسان والحيوان والنبات والجماد وغيرها، يثنى بألسنتهم وألسنة قواهم الروحانية والجسمانية على روحه الحقيقي الذي هو الحق، تسبحه وتنزهه عن النقائص اللازمة لهم اللاحقة بهم، ولكن لا يفقه ذلك التسبيح والتنزيه (11) إلا من تنور باطنه بنور الإيمان أولا، ثم الإيقان ثانيا، ثم العيان ثالثا، ثم يوجد أن نفسه وروحه ساريا في عين كل مرتبة وحقيقة كل موجود حالا وعلما، (12) لا علما و
(١١) - قوله: (كذلك ظاهر العالم من الإنسان والحيوان والنبات والجماد وغيرها، يثنى بألسنتهم...). اعلم، أن الأشياء، عند أهل الحقائق، كلها ناطقة حية، كما قيل بالفارسية: اشيا همه ناطقند وگويا ليكن به تفاوت بيانها. ويدل عليه الكشف الصحيح، كما أطبق عليه أهله، والكتاب الإلهي، كما أشار إليه الشيخ، رضى الله عنه، و السنة، كما أشار إليه الشارح، والعقل الصريح، وهو أن كل موجود مظهر لاسم خاص من أسمائه تعالى، كما قيل: همه اسما مظاهر ذاتند همه اشيا مظاهر إسما. وكل اسم من الأسماء مشتمل لجميع الأسماء لاشتماله على الذات الإلهية، ومن الأسماء: (الحي)، (المتكلم)، فكل اسم حي و متكلم، وبحكم اتحاد الظاهر والمظهر، كل شئ موجود حي ومتكلم. قال بعض العارفين بالفارسية: خلف با جان ومهر ومه بى جان؟ يعنى، إذا كان خلف مع كثافة جسمه وصغر جسده حيا قابلا للحياة، فكيف لا يكون الشمس والقمر مع لطافة جسمهما وعظم جسدهما قابلا لها؟ وكيف يليق بالجود الإلهي؟ نظمت هذا المعنى بقولي - إن لا يعطى الحياة لهما -: خلف با جان وبى جان مهر وماه كى بود اين لايق جود إله. (الأستاذ محمد رضا قمشهاى) (١٢) - قوله: (ساريا...). وذلك في قرب الفرائض الذي صار العبد متمكنا في الفناء الذاتي والصفتي والفعلي، فيخلع بخلعة البقاء بعد الفناء، فيتحقق بالوجود الحقاني بعد رفض الوجود الخلقي بكليته، فصار جسمه جسم الكل ونفسه نفس الكل وروحه روح الكل، كما في الزيارة الجامعة: (أجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس). ففي ذاك المقام يصير العبد سمع الحق وبصره ويده، كما في مولى الموالى، سلام الله عليه: أذن الله الواعية، عين الله الناظرة، ويد الله، إلى غير ذلك. فيسمع الحق به ويبصر. وأما في قرب النوافل، فصار الحق سمع العبد وبصره، وذلك عند الفناء الصفاتي، كما في الحديث القدسي المعروف. (الإمام الخميني مد ظله)