كمالا يصح الحمد المطلق إلا فيه. وذلك لأن السؤال بلسان الحال والاستعداد يقيد المسؤول بما يقتضى ذلك الحال المخصوص والاستعداد المعين، وهكذا الحمد بلسان الحال مقيد بذلك الحال المعين، وهو الباعث للإنسان بأن يتقيد ويحمد الحق باسم فعل ك (المعطى) و (الرزاق) و (الوهاب)، أو باسم صفة تنزيهية ك (القدوس) و (الغنى) و (الصمد)، أو باسم صفة إضافية ك (العليم) و (الحكيم) و (القادر)، وهكذا بلسان الاستعدادات الجزئية أيضا، ليقيدها بأزمنة معينة.
واعلم، أن حقيقة (الحمد)، من حيث هي هي، لا لسان لها ولا حكم، و من حيث إطلاقها وعمومها، يكون محمودة الوجود من حيث انبساطه على الأكوان. ولسانها قولنا: (الحمد لله على كل حال). ومن حيث تقيدها بحال من الأحوال، يكون المحمود أيضا مقيد باسم فعل أو صفة أو تنزيه. والسؤال أيضا كذلك.
(والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه، ويشعر بالحال، لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال). أي، صاحب الاستعداد لا يشعر باستعداده الجزئي المقتضى لفيضان معنى جزئي عليه لخفائه، فإن الاطلاع عليه إنما هو من شأن الكمل، لا من المبتدين في السلوك، ولا من شأن أرباب الأحوال الذين هم المتوسطون فيه. وصاحب الحال يشعر بحاله ويعلم أن الباعث على السؤال هو الحال، ومنه يستدل على استعداده، فإذا كان الاستعداد أمرا خفيا، فسؤاله أيضا خفى مثله. وقد يكون الحال مشعورا به لغير صاحبه إذا كان من الأحوال الظاهرة، كشعور الغنى بفقر الفقير المحتاج. ولا يمكن الشعور للاستعدادات إلا للكمل والأفراد المطلعين بالأعيان الثابتة في علم الحق تعالى.
(وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن لله فيهم سابقة قضاء، فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم) أي، لما علموا هؤلاء أن لله في حقهم حكما في القضاء السابق على وجودهم، ولا بد أن يصل إليهم من الخير والشر والكمال والنقصان وكل ما قدر لهم في الأزل، استراحوا من الطلب،