شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤١٤
لا تحصل إلا بنفث النفس الرحماني في الوجود الأعياني ليكون ظاهرا كما كان باطنا، أورد الحكمة الإلهية وخصصها بالكلمة (الشيثية) التي هي بعد التعين الأولى ومظهر التجلي الجودي، فطابق اسمه مسماه. ولما كان تعينه بحسب الفيض الجودي والمنح الوهبي، شرع (رض) في تحقيق العطايا وبيان أقسامها:
فقال: (اعلم، أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون) أي، الحاصلة في الوجود الخارجي. (على أيدي العباد) أي، بواسطتهم، كالعلم الحاصل للمتعلم والمريد من المعلم والشيخ، وكالحاصل للكمل بواسطة الملائكة وأرواح الأنبياء، عليهم السلام، والأقطاب بعدهم. (وعلى غير أيديهم) كالعلم الحاصل لهما من باطنهما من غير تعليم المعلم وإرشاد الشيخ، بل من الوجه الخاص الذي يلي الحق المتجلى به لكل موجود.
ويجوز أن يراد بقوله: (على أيدي العباد وعلى غير أيديهم) الأسباب الظاهرة فقط.
(على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية، وتتميز عند أهل الأذواق) أي، ينقسم على قسمين: عطايا ذاتية، وعطايا أسمائية. والمراد بالعطايا الذاتية ما يكون مبدأه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها، و إن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات، إذ لا يتجلى الحق من حيث ذاته على الموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الأسمائية. وبالأسمائية ما يكون مبدأه صفة من الصفات من تعينها وامتيازها عن الذات.
وللأول مراتب: أولها، (الفيض الأقدس) الذي يفيض من ذاته على ذاته، فيحصل منه الأعيان واستعداداتها (1) وثانيها، ما يفيض على الطبائع الكلية

(1) - قوله: (وللأول مراتب: أولها، الفيض الأقدس الذي يفيض من ذاته على ذاته...).
أقول: هذا هو العلم التفصيلي الذي يلزم من العلم الإجمالي بالأشياء الذي يلزم من عين علمه بنفس ذاته من ذاته عند شهود ذاته من تجلى ذاته بذاته، بل هو عين علمه بنفس ذاته.
فاعرف منه معنى قولهم: ذاته تعالى علم بسيط إجمالي بالأشياء في عين كشف التفصيلي. و اعرف منه معنى (الفيض الأقدس) وعدم انفصاله عن ذاته تعالى. واعتبر ذلك في نفسك من العقل الإجمالي عند ظهوره بالعقل التفصيلي في ظهوره بكمالاته وشؤونه على سبيل الامتياز، فإن العقل التفصيلي تجلى العقل الإجمالي، وليس بمنفصل عنه. فإن اعتبرت عقلك باعتبار إجماله، فهو مثال للأحدية الذاتية، وإن اعتبرته باعتبار ذلك التعين التفصيلي، فهو مثال للواحدية الأولى، وإذا ظهرت تلك الصور المتصلة في عقلك في ملابس الألفاظ والحروف في لوح الهواء أو في ملابس الأرقام والنقوش في الألواح و الصفائح الرقومية، فهو مثال للواحدية الثانية الحاصلة بالفيض المقدس، وهو مد الفيض الأقدس الذي أشار إليه، عز شأنه، بقوله: (أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل). و (الظل) هو الفيض الأقدس، و (الفيض المقدس) مده وظله، فهو ظل الظليل. (من الأستاذ الكل محمد رضا قمشه‌اى رض)
(٤١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»