شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٧٦
الإلهي وظهوره (19)

(19) - واعلم، أن هذا لا ينافي ما قرر في الحكمة الإلهية أن مفهوم العرض ليس جنسا بالنسبة إلى أنواعه، لأن كل مقولة من العرض، كمقولة الكيف، مبائن بالذات مع الحكم، لأن الكم ما يقبل بالذات القسمة والنسبة، بخلاف الكيف حيث يأبى باعتبار نفس حقيقته عن القسمة. وأما الأنواع الجوهرية، من العقل الأول إلى الهيولى الأولى، واقعة في سلك حقيقة واحدة، ومفهوم الجوهر الجنسي سار في جميع المراتب، وهو جنس الأجناس، لأن جميع الأنواع الجوهرية يصدق عليها (الجوهر) كصدق الحيوان الجنسي على أنواعه. والسر فيه أنه فرق جلى بين مرام العرفاء والحكماء في حقيقة (الجوهر)، وأيضا فرق واضح بين اصطلاحهم في (الكلى) و (الجزئي) حيث إن أرباب العرفان اطبقوا على أن الأفراد تابعة للكلي، والحكماء قالوا بتبعية الجزئيات للأمور الكلية، وأن مفهوم (الإنسان) ينتزع من أفراده الموجودة، وليس مفهوم الكلية مبدأ ظهور الجزئيات. والعرفاء حيث ذهبوا إلى أن حقيقة كل شئ عبارة عن نحو تعينه في علم الله، ولهذا قالوا إن الفيض يصل إلى الأفراد الإنسانية، مثلا، من عينها الثابتة في علم الحق، وإن الأعيان ومبدأ تعينها، أي الأسماء الإلهية، من حيث كليتها ومعقوليتها لا تظهر في الخارج، وما في العين الخارجي إنما هو آثارها وأظلالها. وإن مبدأ ظهور الجواهر (الوجود المنبسط). بل اصطلحوا على أن حقيقة الجوهر عبارة عن (النفس الرحماني)، والأعراض إنما هي من تعينات الجوهر. كما حققها الأستاذ العارف في تعليقته على الفصل الرابع من مقدمة القيصري. ومما ذكرناه يظهر وهن ما ذكره الشارح الجامي في بيان مراد الشيخ في هذا الفص، حيث قال الشيخ: (وأما سريانها لوجود الأرواح والأعراض فذلك سريان آخر). قال الملا جامى: (قوله: (وأما لسريانها) (أي الطبيعة) فلا يكون إلا بواسطة سريانها في الطبيعة الجوهرية السارية في الجواهر الروحانية كلها، وفي الأعراض إلا بواسطة الطبيعة العرضية التي هي جنس للأعراض. وهذا بخلاف ما عليه الحكماء من أن الطبيعة العرضية ليست جنسا لما تحتها من الأعراض وذاتيا لها، كالطبيعة الجوهرية، بل أمر خارجي). وأظن أن الشارح الجامي لخلطه بين المسلكين، أوقع نفسه في الاشتباه الذي لا ينبغي التزامه به. لأن من قال بعرضية العرض الكلى لأنواعها، يريد مفهوم العرض لمكان صدقه على المقولات المتبائنة، كمقولة الكم والنسبة، ولا شك أن الكم المقداري ما يقبل القسمة بالذات، وأن النسبة المقولية لا يقبل القسمة أصلا، لأنها لا جزء لها، وكذا البسائط العرضية. وكل مفهوم كان من شأنه الصدق على المقولات المتبائنة لا يدخل تحت مقولة من المقولات، ومن هذا القبيل مفهوم (العرض) و (الوجود) و (الوحدة) وسائر مفاهيم العامة. والكلام في الجوهر الجنسي أو العرض، بناءا على كونه جنسا، إنما هو في مفهوم الجوهر الجنسي أو مفهوم العرض. وأما باعتبار الوجود الخارجي، قبل تنزل الوجود من سماء الإطلاق، لا جوهر ولا عرض. وبعد تنزل الوجود ومروره على الطبائع الموجودة في عالم الشهادة و المادة، حقيقة الوجود الواحد. أي، الوجود المطلق يمر أولا على الطبيعة الجوهرية المتقدمة على الأعراض، ثم، يمر على العرض من حاق طبيعة الجوهر، وفي الجوهر جوهر و في العرض عرض. ومما ذكرنا ظهر وجوه الخلط في كلام الجامي. ويجب تقرير المرام بعبارة أوضح: أنه من سريان حقيقة الوجود، أي الحق وهوية الإلهية. وتنزلها في مرتبة الطبيعة يلحقها المعاني الكلية الجوهرية، ثم العرضية، فتكون في الجوهر جوهرا وفي العرض عرضا، وهذه التعينات أمور اعتبارية. واعلم، أن قولهم بسريان النفس الرحماني في النزول والصعود، ليس مرادهم أن للحق سريانا، وللوجود المنبسط سريانا غير سريان الحق. أي، ليس هناك سريانان، بل الحق سار بعين سريان الوجود المقيد بالإطلاق. از اينجا معلوم مى شود كه نمى توان گفت احاطه فيض حق بر اشيا احاطه سريانى، واحاطه ذات حق احاطه قيومى است - كما ذكره الأستاذ المحقق آقا على مدرس - لأنه تعالى مع كونه غيبا محضا ومجهولا مطلقا هو الظاهر الساري في الكل، لأنه وجود مطلق عن كل قيد، ومنه قيد الإطلاق، وهو الظاهر والباطن وهو الأول والآخر من جهة واحدة. فافهم، وإلا: برو هر چه مى بايدت پيش گير سر ما ندارى سر خويش گير. (ج)
(١١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1171 1172 1173 1174 1175 1176 1177 1178 1179 1180 1181 ... » »»