اختلاف الجهتين (37) انما هو باعتبار العقل واما في الوجود فتتحد الجهات كلها، فان الظهور والبطون (38) وجميع الصفات الوجودية المتقابلة مستهلكة في عين الوجود فلا مغايرة الا في اعتبار العقل. والصفات السلبية مع كونها عايدة إلى العدم، أيضا راجعة إلى الوجود من وجه (39)، فكل من الجهات المتغايرة من حيث وجودها العقلي عين باقيها (40) ولكونهما (41) مجتمعين في عين الوجود يجتمعان أيضا في العقل إذ لو لا وجود هما فيه لما اجتمعا (42)، وعدم اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو نوع من أنواع الوجود المطلق لا ينافي اجتماعهما في الوجود من حيث هو هو (43). ولا يقبل الانقسام والتجزي أصلا خارجا وعقلا لبساطته، فلا جنس له ولا فصل فلا حد له (44).
ولا يقبل الاشتداد (45) والضعف (46) في ذاته (47) لأنهما لا يتصوران الا في الحال القار كالسواد والبياض الحالين في محلين، أو الغير القار متوجها إلى غاية ما من الزيادة أو النقصان كالحركة والزيادة والنقصان والشدة والضعف يقع عليه بحسب ظهوره وخفائه في بعض مراتبه كما في القار الذات (48) كالجسم و غير القار الذات كالحركة والزمان (49). وهو خير محض وكلما هو خير فهو منه وبه. وقوامه بذاته لذاته إذ لا يحتاج في تحققه إلى امر خارج عن ذاته، فهو القيوم (50) الثابت بذاته والمثبت لغيره.
وليس له ابتداء والا لكان محتاجا إلى علة موجودة لا مكانه حينئذ، ولا له انتهاء والا لكان معروضا للعدم فيوصف بضده (51) أو يلزم الانقلاب (52). فهو أزلي (53) وأبدى: (فهو الأول (54) والآخر (55) والظاهر (56) والباطن (57)). لرجوع كلما ظهر في الشهادة أو بطن في الغيب إليه (58). وهو بكل شئ عليم لاحاطته بالأشياء بذاته، وحصول العلم لكل عالم انما هو بواسطته فهو أولى بذلك. بل هو الذي يلزمه جميع الكمالات (59) وبه تقوم كل من الصفات كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر وغير ذلك.
فهو الحي العليم المريد القادر السميع البصير بذاته لا بواسطة شئ آخر إذ به يلحق الأشياء كلها كمالاتها (60)، بل هو الذي يظهر بتجليه وتحوله في صور مختلفة