ولا يناط، مشيرا بحقايق، عجزت العقول عن ادراكها وكاشفا لدقايق وقفت القلوب عن ذرى أفلاكها وحارت أعين ذوي البصائر والابصار في عرايس معانيها المتلألئة من وراء الحجاب وشخصت ابصار أهل العلم والفهم في محاسن مجاليها المتجلية لأولي الألباب، يحول عقول الخلق حول جنابه ولم يدركوا من برقه غير لمعة من سرابه، سنح (41) لي ان اكشف بعض أسراره على طالبيه وارفع القناع عن وجوه عرايس معانيه التي فاضت على قلبه المنور وروحه المطهر من حضرة العليم الخبير الحكيم القدير، بالتجلي منه عليه والدنو منه والتدلي إليه (42)، امتثالا لأمره وانقيادا لحكمه حيث قال (43): هذه الرحمة التي وسعتكم فوسعوا.
ودخولا فيمن قال، تعالى، فيهم: (ومما رزقناهم ينفقون). وأداء لشكره كما قال (واما بنعمة ربك (44) فحدث) (45). فشرعت فيه مستعينا بالله طالبا لرحمته، ان أقيد بعض ما فتح الله لي فيه وما استفدت من كتب الشيخ وكتب أولاده (46)، رضوان الله عليهم أجمعين، بعبارة واضحة وإشارة لايحة، من غير ايجاد مخل ولا تطويل ممل، شارطا ان لا انزل كلامهم الا على قواعده ولا أتعرض في معاقده الا بأذيال عقايده، بل أبين بحيث يتضح للناظر معنى الكتاب ويعلم ما هو الباطل (47) من الصواب، فيحق الحق ويبطل الباطل من غير إشارة منى (48) وخطاب، مع اعترافي بالعجز والتقصير واقراري بأنه هو العليم الخبير.
ولما كان العلم بهذه الأسرار موقوفا على معرفة قواعد وأصول اتفقت عليها هذه الطايفة، قدمت لبيانها فصولا وبينت فيها أصولا تبتنى قاعدة التوحيد عليها وتنتسب هذه الطريقة إليها بحيث يعلم منها أكثر قواعد هذا العلم لمن وفقه الله تعالى وانعم عليه بالفهم، وجعلتها اثنى عشر فصلا:
الفصل الأول - في الوجود (49)، وانه هو الحق (50).
والفصل الثاني - في أسمائه وصفاته، تعالى والفصل الثالث - في الأعيان الثابتة والتنبيه على بعض مظاهر الأسماء في الخارج والفصل الرابع - في الجوهر والعرض وما يتبعهما على هذه الطريقة