بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٤٥
مرحلة المادة عند الإحساس بشئ أو عند تخيله فإنما هي معدات تتهيأ بها النفس لحصول الصور العلمية الجزئية المثالية عندها.
الإشكال السادس: أن علماء الطبيعة بينوا: أن الإحساس والتخيل بحصول صور الأجسام المادية بما لها من النسب والخصوصيات الخارجية في الأعضاء الحاسة وانتقالها إلى الدماغ، مع مالها من التصرف فيها بحسب طبائعها الخاصة، والإنسان ينتقل إلى خصوصية مقاديرها وأبعادها وأشكالها بنوع من المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده على ما فصلوه في محله، ومع ذلك لا مجال للقول بحضور الماهيات الخارجية بأنفسها في الأذهان.
والجواب عنه: أن ما ذكروه - من الفعل والإنفعال المادي عند حصول العلم بالجزئيات - في محله، لكن هذه الصور المنطبعة المغايرة للمعلومات الخارجية ليست هي المعلومة بالذات، بل هي معدات تهيئ النفس لحضور الماهيات الخارجية عندها بوجود مثالي غير مادي، وإلا لزمت السفسطة لمكان المغايرة بين الصور الحاصلة في أعضاء الحس والتخيل وبين ذوات الصور.
بل هذا من أقوى الحجج على حصول الماهيات بأنفسها عند الانسان بوجود غير مادي، فإن الوجود المادي لها كيفما فرض لم يخل عن مغايرة ما بين الصور الحاصلة وبين الأمور الخارجية ذوات الصور، ولازم ذلك السفسطة ضرورة.
الإشكال السابع: أن لازم القول بالوجود الذهني كون الشئ الواحد كليا وجزئيا معا، وبطلانه ظاهر، بيان الملازمة: أن ماهية الانسان المعقولة - مثلا - من حيث تجويز العقل صدقها على كثيرين كلية، ومن حيث حصولها لنفس عاقلة شخصية (1) وقيامها بها جزئية متشخصة بتشخصها متميزة من ماهية الانسان المعقولة لغير تلك النفس من النفوس، فهي كلية وجزئية معا.
والجواب عنه: أن الجهة مختلفة، فهي من حيث إنها وجود ذهني مقيس إلى الخارج كلية تقبل الصدق على كثيرين، ومن حيث إنها كيفية نفسانية من غير

(1) وفي المطبوع سابقا: " عاقلها الشخصية ". والأصح ما أثبتناه في المتن.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 48 50 51 52 ... » »»