بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٤٤
بالحمل الأولي، دون الحمل الشائع. فشريك البارئ في الذهن شريك البارئ بالحمل الأولي، وأما بالحمل الشائع فهو كيفية نفسانية ممكنة مخلوقة للبارئ، وهكذا في سائر المحالات.
الإشكال الخامس: أنا نتصور الأرض بما رحبت بسهولها وجبالها وبراريها وبحارها، وما فوقها - من السماء - بأرجائها البعيدة، والنجوم والكواكب بأبعادها الشاسعة، وحصول هذه المقادير العظيمة في الذهن - بمعنى انطباعها في جزء عصبي أو قوة دماغية، كما قالوا به - من انطباع الكبير في الصغير، وهو محال (1).
ودفع الإشكال بأن المنطبع فيه منقسم إلى غير النهاية (2) لا يجدي شيئا، فإن الكف لا تسع الجبل وإن كانت منقسمة إلى غير النهاية (3).
والجواب عنه: أن الحق - كما سيأتي (4) - أن الصور الإدراكية الجزئية غير مادية، بل مجردة تجردا مثاليا، فيها آثار المادة من مقدار وشكل وغيرهما دون نفس المادة، فهي حاصلة للنفس في مرتبة تجردها المثالي من غير أن تنطبع في جزء بدني أو قوة متعلقة بجزء بدني، وأما الأفعال والانفعالات الحاصلة في

(١) إن هذا الإشكال مستفاد مما أورده أصحاب الشعاع - وهم الرياضيون - على أصحاب الانطباع - يعني المعلم الأول ومن تبعه - في كيفية الإبصار، فإنهم أوردوا عليهم بأن الجبل إذا رأيناه مع عظمه، والرؤية إنما هي بالصورة المنطبعة في الجليدية، فإن كان هذا المقدار العظيم للصورة المنطبعة فكيف حصل المقدار الكبير في حدقة صغيرة، فإذن الصور الخيالية لا تكون موجودة في الأذهان، لامتناع انطباع الكبير في الصغير. راجع شرح حكمة الإشراق: ٢٦٩.
(٢) هذا ما قاله بعض من أصحاب الانطباع دفعا لما أورده أصحاب الشعاع عليهم. قال الشيخ الإشراقي - بعد ذكر ما أورده أصحاب الشعاع على أصحاب الانطباع - ما حاصله: " أجاب بعض من أصحاب الانطباع عن هذا الايراد بأن الرطوبة الجليدية تقبل القسمة إلى غير النهاية، والجبل أيضا صورته قابلة للقسمة إلى غير النهاية، وإذا اشتركا في لا نهاية القسمة فيجوز أن يحصل المقدار الكبير فيها " إنتهى. راجع شرح حكمة الإشراق: 269.
(3) كذا قال صدر المتألهين في الأسفار 1: 299. وصرح أيضا الشيخ الإشراقي ببطلان ذلك الجواب في شرح حكمة الإشراق: 269.
(4) في الفصل الأول والفصل الثاني من المرحلة الحادية عشرة.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 48 50 51 ... » »»