بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٧٧
وثانيا: أن العالم الذي يقوم به العلم يجب أن يكون مجردا عن المادة أيضا.
الفصل الثاني ينقسم العلم الحصولي إلى كلي وجزئي والكلي: ما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين كالعلم بماهية الانسان، ويسمى: " عقلا " و " تعقلا ". والجزئي: ما يمتنع فرض صدقه على كثيرين كالعلم بهذا الانسان بنوع من الاتصال بمادته الحاضرة، ويسمى: " علما إحساسيا "، وكالعلم بالإنسان الفرد من غير حضور مادته، ويسمى: " علما خياليا ". وعد هذين القسمين ممتنع الصدق على كثيرين إنما هو من جهة اتصال أدوات الإحساس بالمعلوم الخارجي في العلم الإحساسي، وتوقف العلم الخيالي على العلم الاحساسي، وإلا فالصورة الذهنية - كيفما فرضت - لا تأبى أن تصدق على كثيرين.
والقسمان جميعا مجردان عن المادة، لما تقدم (1) من فعلية الصورة العلمية في ذاتها وعدم قبولها للتغير.
وأيضا الصورة العلمية - كيفما فرضت - لا تمتنع عن الصدق على كثيرين، وكل أمر مادي متشخص ممتنع الصدق على أزيد من شخص واحد.
وأيضا لو كانت الصورة الحسية أو الخيالية مادية منطبعة بنوع من الانطباع في جزء بدني، لكانت منقسمة بانقسام محلها، ولكان في مكان وزمان، وليس كذلك، فالعلم لا يقبل القسمة ولا يشار إليه إشارة وضعية مكانية، ولا أنه مقيد بزمان لصحة تصورنا الصورة المحسوسة في وقت بعد أمد بعيد على ما كانت عليه من غير تغير فيها، ولو كانت مقيدة بالزمان لتغيرت بتقضيه.
وما يتوهم: من مقارنة حصول العلم للزمان إنما هو مقارنة شرائط حصول الاستعداد له، لا نفس العلم، وأما توسط أدوات الحس في حصول الصورة

(1) في الفصل السابق.
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 172 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»