بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٧٥
التي تترتب عليها الآثار، فهذا قسم من العلم، ويسمى: " علما حصوليا ".
ومن العلم علم الواحد منا بذاته التي يشير إليها ب‍ " أنا "، فإنه لا يغفل عن نفسه في حال من الأحوال، سواء في ذلك الخلاء والملاء، والنوم واليقظة، وأية حال أخرى.
وليس ذلك بحضور ماهية ذاتنا عندنا حضورا مفهوميا وعلما حصوليا، لأن المفهوم الحاضر في الذهن كيفما فرض لا يأبى الصدق على كثيرين وإنما يتشخص بالوجود الخارجي، وهذا الذي نشاهده من أنفسنا ونعبر عنه ب‍ " أنا " أمر شخصي لذاته لا يقبل الشركة، والتشخص شأن الوجود، فعلمنا بذواتنا إنما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجي الذي هو ملاك الشخصية وترتب الآثار، وهذا قسم آخر من العلم، ويسمى: " العلم الحضوري ".
وهذان قسمان ينقسم إليهما العلم قسمة حاصرة، فإن حصول المعلوم للعالم إما بماهيته، أو بوجوده، والأول هو العلم الحصولي، والثاني هو العلم الحضوري.
ثم إن كون العلم حاصلا لنا، معناه: حصول المعلوم لنا، لأن العلم عين المعلوم بالذات، إذ لا نعني بالعلم إلا حصول المعلوم لنا، وحصول الشئ وحضوره ليس إلا وجوده، ووجوده نفسه.
ولا معنى لحصول المعلوم للعالم إلا اتحاد العالم معه، سواء كان معلوما حضوريا أو حصوليا، فإن المعلوم الحضوري إن كان جوهرا قائما بنفسه، كان وجوده لنفسه، وهو مع ذلك للعالم، فقد اتحد العالم مع نفسه، وإن كان أمرا وجوده لموضوعه، والمفروض أن وجوده للعالم، فقد اتحد العالم مع موضوعه، والعرض أيضا من مراتب وجود موضوعه غير خارج منه، فكذلك مع ما اتحد مع موضوعه، وكذا المعلوم الحصولي موجود للعالم، سواء كان جوهرا موجودا لنفسه أو أمرا موجودا لغيره، ولازم كونه موجودا للعالم اتحاد العالم معه.
على أنه سيجئ أن العلم الحصولي علم حضوري في الحقيقة (1).

(1) في الفصل العاشر من هذه المرحلة.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 172 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»