بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٥٣
إنسانا أقرب إلى الانسانية من الغذاء الذي يتبدل نطفة، والإمكان فيها أشد منه فيه.
وإذ كان هذا الإمكان أمرا موجودا في الخارج فليس جوهرا قائما بذاته، وهو ظاهر، بل هو عرض قائم بشئ آخر، فلنسمه: " قوة "، ولنسم موضوعه:
" مادة " فإذن لكل حادث زماني مادة سابقة عليه تحمل قوة وجوده.
ويجب أن تكون المادة غير آبية عن الفعلية التي تحمل إمكانها، فهي في ذاتها قوة الفعلية التي فيها إمكانها، إذ لو كانت ذات فعلية في نفسها لأبت عن قبول فعلية أخرى، بل هي جوهر فعلية وجوده أنه قوة الأشياء، وهي لكونها جوهرا بالقوة قائمة بفعلية أخرى، إذا حدثت الفعلية التي فيها قوتها، بطلت الفعلية الأولى وقامت مقامها الفعلية، الحديثة، كالماء إذا صار هواء بطلت الصورة المائية التي كانت تقوم المادة الحاملة لصورة الهواء، وقامت الصورة الهوائية مقامها، فتقومت بها المادة التي كانت تحمل إمكانها.
ومادة الفعلية الجديدة الحادثة والفعلية السابقة الزائلة واحدة، وإلا كانت حادثة بحدوث الفعلية الحادثة، فاستلزمت إمكانا آخر ومادة أخرى، وهكذا، فكانت لحادث واحد مواد وإمكانات غير متناهية، وهو محال، ونظير الإشكال لازم فيما لو فرض للمادة حدوث زماني.
وقد تبين بما مر أيضا.
أولا: أن كل حادث زماني فله مادة تحمل قوة وجوده.
وثانيا: أن مادة الحوادث الزمانية واحدة مشتركة بينها.
وثالثا: أن النسبة بين المادة وقوة الشئ التي تحملها نسبة الجسم الطبيعي والجسم التعليمي، فقوة الشئ الخاص تعين قوة المادة المبهمة، كما أن الجسم التعليمي تعين الامتدادات الثلاثة المبهمة في الجسم الطبيعي.
ورابعا: أن وجود الحوادث الزمانية لا ينفك عن تغير في صورها إن كانت جواهر أو في أحوالها إن كانت أعراضا.
وخامسا: أن القوة تقوم دائما بفعلية، والمادة تقوم دائما بصورة تحفظها، فإذا
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»