بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٤٨
المجامع لوجوده بعد استناده إلى العلة.
فكان مفهوم الحدوث مسبوقية الوجود بالعدم، ومفهوم القدم عدم مسبوقيته بالعدم. والمعنيان من الأعراض الذاتية لمطلق الوجود، فإن الموجود بما هو موجود، إما مسبوق بالعدم، وإما ليس بمسبوق به، وعند ذلك صح البحث عنهما في الفلسفة.
فمن الحدوث الحدوث الزماني، وهو مسبوقية وجود الشئ بالعدم الزماني كمسبوقية اليوم بالعدم في أمس، ومسبوقية حوادث اليوم بالعدم في أمس، ويقابله القدم الزماني، وهو عدم مسبوقية الشئ بالعدم الزماني، كمطلق الزمان الذي لا يتقدمه زمان ولا زماني، وإلا ثبت الزمان من حيث انتفى، هذا خلف.
ومن الحدوث الحدوث الذاتي، وهو مسبوقية وجود الشئ بالعدم في ذاته، كجميع الموجودات الممكنة التي لها الوجود بعلة خارجة من ذاتها، وليس لها في ماهيتها وحد ذاتها إلا العدم.
فإن قلت: الماهية ليس لها في حد ذاتها إلا الإمكان، ولازمه تساوي نسبتها إلى الوجود والعدم وخلو الذات عن الوجود والعدم جميعا دون التلبس بالعدم، كما قيل (1).
قلت: الماهية وإن كانت في [حد] ذاتها خالية عن الوجود والعدم، مفتقرة في تلبسها بأحدهما إلى مرجح، لكن عدم مرجح الوجود وعلته كاف في كونها معدومة، وبعبارة أخرى: خلوها في حد ذاتها عن الوجود والعدم وسلبهما عنها إنما هو بحسب الحمل الأولي، وهو لا ينافي اتصافها بالعدم حينئذ بحسب الحمل الشائع.
ويقابل الحدوث بهذا المعنى القدم الذاتي، وهو عدم مسبوقية الشئ بالعدم في حد ذاته، وإنما يكون فيما كانت الذات عين حقيقة الوجود الطارد للعدم بذاته، وهو الوجود الواجبي الذي ماهيته إنيته.

(1) راجع المباحث المشرقية 1: 134.
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 144 145 146 147 148 149 150 152 153 154 ... » »»