فمن جملة ما بين مرتبة " كنت سمعه وبصره " وبنى مرتبة الكمال مرتبة النبوة، ثم مرتبة الرسالة، ثم مرتبة الخلافة المقيدة بالنسبة إلى أمة خاصة، ثم الرسالة العامة، ثم الخلافة العامة، ثم الكمال في الجمع، ثم الكمال المتضمن للاستخلاف والتوكيل الأتم، من الخليفة الكامل لربه سبحانه في كل ما كان الحق سبحانه قد استخلفه فيه، مع زيادة ما يختص بذات العبد وأحواله.
فكل نبي ولى ولا ينعكس، وكل رسول نبي ولا ينعكس، وكل من قرن برسالته السيف فخليفة، وليس كل من يرسل هذا شأنه، وكل من عمت رسالته عمت خلافته، إذ منحها بعد الرسالة، وكل من تحقق بالكمال علا على جميع المقامات والأحوال والسلام، وما بعد استخلاف الحق والاستهلاك فيه عينا والبقاء حكما - مع الجمع بين صفتي التمحض والتشكيك - مرمى لرام.
ومن أراد يتفهم شيئا من أحوال الكامل وسيرته وعلاماته فليطالع كتاب " مفتاح غيب الجمع وتفصيله " الذي ضمنته التنبيه على هذا وغيره، وقد فرغت في هذا الكتاب جملا من هذه الاسرار، فان أردت الاطلاع على مثل هذه الجواهر فأمعنت التأمل في هذا الكتاب والحق آخر الكلام بأوله، واجمع النكت المبثوثة فيه وما قصد تفريقه من غامضات الاسرار، ترى العجب العجاب، وما يتوهمه المتأمل تكرارا فليس كذلك، وانما كل ما يمكنني التصريح به دفعة واحدة قد أعيد ذكره بتعريف آخر ولقب غير اللقب الأول، لأكشف بذلك قناعا من حجبه غير ما كشف من قبل، اقتداء بربى وسنن الكمل من قبلي، فاجمع وتذكروا قنع واستبصر، والله الهادي والمبصر.
نموذجا من مقامات المؤلف وأصول آرائه لاشك عندنا وعند من يطالع هذا السفر الكريم بعين الاعتبار ان الشيخ قدس سره كان من أكابر أولياء المحققين وأعاظم المجداء المكاشفين، غير أن هذا للرجال العظيم لم يذكر في هذا الكتاب كيفية مكاشفاته ووارداته، بل ذكر هنا نتيجتها وثمرتها، وذكر في كتبا الفكوك بعض سيره وكشفه وفى كتاب النفحات جلها وقلها، ونحن نذكر نموذجا منها من كتاب الفكوك ليعلم محل هذا الولي الودود في مضوع رحى الوجود.