مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٩١
رعاية للمراتب واعتبارا لأحكامها النسبية والتقديرية.
وإذا تقرر هذا فنقول: للعلوم بهذا الاعتبار غايات: فمنها ما غايته العمل، لتوقف كماله عليه، ومنها ما كماله الغائي في معرفة متعلقة وتحقق احكامه ونسبه - تحققا علميا فقط - لكن لشمول حكمه وسريان اثره يستلزم عملا، فانضياف العمل إلى مثل هذا العلم هو من باب شمول الحكم، لا ان له موجبا اخر، وهذا نسبة أكملية ذاتية، لا كمالية مقصودة، وسنبسط هذا الأصل بلسان بعض فروعه.
فنقول: العلم لا بد له من متعلق، ومتعلقات العلم تنحصر فيما ذكره من الأقسام، وهو اما ان يكون علما بما ليس لنا فيه اثر وجودي أو بالعكس، فالأول هو الذي ليس غايته العمل، كعلمنا بوجود الله ووحدته وامكان العالم والجنسية والنوعية والكلية والجزئية ونحو ذلك، وهذا من القسم الذي قلنا فيه: انه وان لم يكن غايته العمل فإنه يستلزم عملا لما مر. وما غايته العمل هو الثاني، فهو المراد لا لنفسه، كمعرفة الأحكام الإلهية والأعمال المشروعة والأخلاق على اختلاف صورها وأنواعها، ليرتكب منها ما يجب وينبغي ارتكابه ويجتنب ما يجب وينبغي اجتنابه. وهذا القسم انما يراد لكونه وسيلة لما هو أشرف منه - بخلاف الأول - فإنه أشرف، لأنه مطلوب لذاته ومتعلقه، وهو الحق سبحانه وحقائق أسمائه الذاتية وصفاته العزيزة العلية، فشرفه فيه. وهذا القسم الثاني ليس كذلك، وان شئت ان احصر لك متعلقات مطلق العلم بطريق آخر فعلت.
فأقول: كل ما يتعلق به مطلق العلم على كل تقدير لا يخرج عن هذا التقسيم، وهو انه اما ان يكون أمرا واجبا حصوله في المادة أو ممتنعا عليه ذلك، أو تارة يحصل في المادة وتارة يتجرد عنها، والواجب حصوله في المادة اما واجب الحصول في المادة - أي مادة كانت من غير تعيين - أو يجب حصوله في مادة معينة، فالمختص بمسمى المادة مطلقا من غير تعيين هو العلم المتعلق بالمقادير، والكفيل ببيانه عند علماء الرسوم العلم الرياضي،
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست