فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٥٠٨
بعض طلبت حينئذ المنافذ ودخلت في بطون الأرض و مجاريها وتدافعت مما تدفعها من ورائها وظهرت في الجبال والسهول كما تخرج مياه الفوارات بالحفز الشديد حتى ترتفع في الهواء ارتفاعا كثيرا ثم تجتمع تلك المياه إلى الأنهار ومن الأنهار إلى البحار فلذلك يدوم جري الأنهار ومدود البحار، وقال إن الاجزاء المائية أكثر من الاجزاء الأرضية لان الهوائية أيضا إذا لطفت استحالت وصارت مطرا وماء، وقال الفيلسوف ان الشمس إذا بعدت من موضع ومالت عنه يرطب ذلك الموضع واجتمعت فيه المياه والانداء فيصير بطائح وبحارا وربما كان سبب البحار وابتدائها عروق تحدث أو تثوق ثم تأتيها من الأمطار والأنهار مداد فتكثر وترتفع على طول الدهر فتصير بحرا، وإذا قربت الشمس من موضع زمانا طويلا يبست رطوباته وصيرته مزارع وعمرانا، وقرى ومدنا فقد كانت ارض مصر بحيرة وصارت بلاد اليونانين مرارا كثيرة بحرا ثم تصب عنها الماء " أولا فأولا " (1) وانتقل إليها الناس و بنوا فيها المدن وغرسوا الأشجار وتوالدوا وبقيت كذلك دهرا طويلا ثم عادت أيضا بحرا وهي اليوم عمران، الباب السادس في الأرضين وألوان أهلها وأخلاقهم، قال الحكيم أبقراط إذا كانت البلاد سمينة لينة كثيرة المياه حارة في الصيف باردة في الشتاء فان أهلها يكونون سمانا ضعافا رطابا لا يصبرون على الشدائد والتعب ولا

(1) " قليلا قليلا "
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»