وعلة ذلك أن البرد ييبس رطوبتهم فتكون بطونهم لذلك يابسة، ويصيبهم ذات الجنب والحميات الحارة ليبس بطونهم، ولان الأمراض الحارة انما تصيب أصحاب الأبدان القوية، (و) إذا كانت المدينة معتدلة مثل الربيع في اعتدال حرها حسنت ألوان أهلها وصفت أصواتهم وكثرت أعشابهم وقلت أمراضهم وكثر ولاد النساء والحيوان فيهم، ولا يكون لهم حدة ولا نزق شديد، وقال بعض الفلاسفة انه ربما كانت مدينة باردة و تقربها مدينة أخرى حارة فسبب حرارتها اما ان تكون ارضها سخنة أو تكون جبالها طينيا فان الجبال إذا كانت حجرية كانت البلاد أبرد، والدليل على ذلك أن عيون الجبال الحجرية أبرد من عيون جبال الطين، واما ان تكون في بطن تلك الأرض كبريتية أو نفطية ملتهبة أو في بطنها بخارات حارة محتبسة لان الكواكب الثابتة والشمس ربما اثرت في بلاد دون بلاد ثم تنتقل ذلك البخار الحار أو الكبريتية أو النفطية إلى ارض أخرى فتبرد لذلك بلاد قد كانت حارة وتسخن بلاد قد كانت باردة لانتقال ذلك البخار عنها، فاما ما يحدث في هواء البلاد المعتدلة من الحر الشديد بين الأيام فإنهم قالوا كما أن الهواء إذا غلظ رش الأنداء والأمطار، وكذلك الأثير ومحل النارية إذا غلظ بعض اجزائه وتكاثف رش في بعض البلدان رشا ملهبا وانزل نارية إلى الهواء وتسخن الناحية التي تحاذى ذلك منه وقد يبلغنا عن ارض مكة وارض العرب حر شديد وجبالها كلها حجر وهذا خلاف ما قال الأول في جبال الطين، وأظن ان العلة في ذلك الجبال (ان)
(٥٠٣)