وتقدم في أسباب حفظ صحة الأبدان، وقال إن الحبوب إذا هبت أذابت الهواء وبردته وسخنت الثمار والأنهار و كل شئ فيه رطوبة وتغير لون كل شئ رطب وحالاته، وهي ترخي الأبدان والعصب وتورث الكسل وتحدث ثقلا في الاسماع وغشاوة في البصر لأنها تحلل المرة و تنزل الرطوبة إلى أصل العصب الذي يكون به الحس، فاما الشمال فإنها تصلب الأبدان وتصحح الدماغ وتحسن اللون وتصفى الحواس وتقوى الشهوة والحركة غير أنها تهيج السعال ووجع الصدر، وقد رأيت أيام مقامي بالعراق فعل هاتين الريحين بينا ظاهرا فإنه إذا هبت بأرض العراق الجنوب تغير لون الورد وتناثر ورقه وتشقق القنبيط و سخن الماء واسترخت الأبدان وتكدر الهواء، وذلك شبيه بما قال الحكيم ان الصيف أوبأ من الشتاء لأنه يسخن الأبدان فيرخيها ويضعف قواها، ولقد خبرني رجل عاقل من اهل بغداد انه يحس بهبوبها وهو في فراشه لأنه إذا هبت الشمال برد الخاتم في إصبعه واتسع لأنه يضمر البدن بها وان هبت الجنوب سخن الخاتم وضاق واسترخي البدن وحدث فيه الكسل، وقال الحكيم أبقراط ان الرياح العامية أربع إحداها تهب من المشرق وهي القبول والثانية تهب من المغرب وهي الدبور والثالثة من التيمن وهي الجنوب والرابعة من الجربيا وهي الشمال، فاما الريح التي تهب في بلدة دون بلدة فإنها تسمى ريح بلدية،
(٥١٣)