لأنهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد، بل أكثر من ذلك، فقد يظن الإنسان أن أمرا ما هو " خير " نتيجة ألفته به، كما قد يحسب أن أمرا آخر هو " شر " لغياب الآصرة التي تربطه به، والحقيقة غير ذلك. لهذا يحذر القرآن من هذه الحالة بقوله:
(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم). (1) كما قوله:
(فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). (2) بتعبير آخر: إن الإحساس المؤقت الذي يساور الإنسان فيجعله يرتاح إلى شيء ويأنس به أو ينفر منه ولا يألفه، لا يعد بذاته مقياسا في أن يكون ذلك الشيء خيرا أو شرا، بل يكمن الملاك في الخير والشر والمعيار فيه من خلال دور ذلك الشيء في تحقيق الراحة الدائمة للإنسان وضمان سعادته على المدى البعيد. لذلك جاء عن الإمام علي (عليه السلام) قوله:
" ما شر بشر بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية ". (3) على هذا الأساس، يحتاج العقل والفطرة إلى الوحي؛ بغية تشخيصهما الخير والشر على نحو تام وفي جميع الموارد. فالوحي - بوصفه مبدأ يحيط بجميع المصالح والمفاسد - بمقدوره أن يعرض أكمل برنامج حياتي ينهض بتأمين السعادة الدائمة للإنسان. يقول الإمام علي (عليه السلام) في هذا المضمار: