الله تعالى بها عليه، فأولده من أبوين مسلمين، وكفاه صعوبة مخالفة الآباء، ويتمسك بدينه الحق المبين فلا تغريه بعد الزخارف بخدعها البراقة، فيفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.
في الواقع يجب أن نتمسك بالتاريخ بأسناننا، وأظفارنا، لأن التاريخ الصحيح هو منجاة لنا، فلولا التاريخ والتدوين لما عرفنا الصلاة، ولا الصوم ولا أركان الدين.
فالتاريخ معاد معنوي يعيد لك العصور التي سلفت وينشرها لأهل عصره، ويرجع آثارهم التي سلفت أمام أهل زمانه، فتستفيد عقولهم من غررها ما تستضئ بنوره، وتنتعش نفوسهم مما تتنفسه من مسكه وعبيره.
فأقول: لولا التاريخ لجهلت الأنساب، وماتت الأمم بموت عظمائها، وخفي على الأواخر أخبارهم وآثارهم، وخسروا تلك الفوائد التي اكتسبها الأوائل في حبهم واجتهادهم.
وقد كان العرب مع جهلهم بالقلم وخطه والكتاب وضبطه يصرفون إلى التاريخ جل اهتماماتهم. فيجعلون له الحظ الوافر في مساعيهم بحفظ قلبها عن مكتوبه وتعتاض برقم صورها عن رقم سطوره، وكل ذلك عناية بحفظ أخبار أوائلها وأخذ العبر الحكيمة من أفعالهم ومآثرهم السالفة، وهل الإنسان إلا بما أسسه ذكره وبناه مجده بعد موته وفناء جسمه ورسمه.
قال تعالى: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر. حكمة بالغة فما تغن النذر) فالتاريخ ضالة الباحث والمفكر والعالم وطلبه المتفنن، وبغية الأديب وأمنية أهل الدين ومقصد الساسة والقول الفصل إنه مأرب المجتمع البشري أجمع وهو التاريخ الصحيح والمحقق الذي لم يقصد به إلا ضبط الحقائق على ما هي عليه.
فلذلك أقول لسماحة وفضيلة الدكتور علينا أن نشجع الطلبة والباحثين إلى الغوص في أعماق التاريخ ليستخرجوا لنا ما فيه من درر كامنة وأصداف ثمينة وحقائق ثابتة.
لماذا نخاف من الغوص بأعماق التاريخ؟