الرسول: (قربوا أكتب لكم كتابا " لن تضلوا بعده أبدا ") حتى تصدى له عمر وتجاهل وجوده، وقال لمن حوله من أوليائه: (إن الرسول قد غلبة الوجع وعندنا كتاب الله، حسبنا كتاب الله). هذا هو القول الملطف الذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحيهما. أما الحقيقة التي رواها ابن الجوزي في كتابه (تذكرة الخواص)، وأبو حامد الغزالي في كتابه (سر العالمين وكشف ما في الدارين) فهي أن عمر قال لأوليائه: (إن الرسول يهجر حسبنا كتاب الله)، فردد أولياؤه: القول ما قاله عمر:
(إن الرسول يهجر حسبنا كتاب الله) (1) ومن يفعل ذلك في مواجهة الرسول وحياته، لن يعجز بعد وفاته عن إلغاء التشريع الذي بينه.
3 - قسمة المال بالسوية: كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية، وهو لا ينطق عن الهوى ويتبع ما يوحى إليه، ولحكمة ظاهرة مفادها أن الحاجات الأساسية للبشر متشابهة، ولا تختلف من فرد إلى فرد، ومن جهة ثانية فإن الله ورسوله أراد أن يحررا الإنسان من سلطان الحاكم على هذه الأساسيات، وأن يذيبا الفوارق المالية بين الناس إرساء لمبدأ المساواة. والخلاصة أن القسمة بين الناس بالسوية صارت سنة، طبقت طوال عهد النبي الزاهر وطوال عهد الخليفة الأول أبي بكر.
ولما آلت الخلافة إلى عمر رأى أن هذه الطريقة بالقسمة التي أوصاها الله لرسوله، واتبع الرسول فيها ما أوحي إليه غير مناسبة وغير عادلة، والأفضل منها أن يعطي الناس حسب موازين ومعايير أوجدها بنفسه. وبكل بساطة ترك سنة الرسول، النابغة من الوحي الإلهي، واتبع رأيه واجتهاده الشخصي! وبعد تسع سنين، وبعد النتائج المدمرة التي نجمت عن إلغاء سنة المساواة النبوية، واتباع الرأي الشخصي، وبعد أن اختل حبل التوازن، ووجد نظام الطبقات، ووجد الغنى الفاحش والفقر المدقع جنبا " إلى جنب، نتيجة فعل عمر هذا، عندئذ أدرك الخليفة أن سنة محمد أهدى وأصوب من رأيه، فعزم قائلا ": (لئن عشت العام القابل لأتبعن سنة رسول الله وصاحبه).