بعد فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل وعمل صالحا وقال: إنني من المسلمين وقد دعوتني إلى الأمان والبر والصلة فخير الأمان أمان الله، ولن يؤمن الله، من لم يخف من الدنيا، فنسأل الله مخالفة في الدنيا توجب لنا أمانة يوم القيامة، فإن كنت نوبت بالكتاب صلتي ويري فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة والسلام ".
عن أي أمان يتحدث هؤلاء المخادعون المنافقون، ألم يبعث يزيد القرود بالأمس إلى واليه على المدينة يخير الحسين بين البيعة والقتل، حتى اضطر عليه السلام إلى الخروج ليلا وهو يقرأ (فخرج منها خائفا يتقرب) (القصص / 21)، فأي أمان هذا؟ أهو تأجيل لتنفيذ القرار حتى تأتي الفرصة المناسبة وتتم العلمية بهدوء وسلامة؟ اغتيالا أو سما، كما أخبر به أخاه محمد بن الحنيفة " أخشى أن يقاتلني أجناد بني أمية في حرم مكة، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله، يا أخي لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني ".
لقد كان خروج الحسين " من مكة " قرارا مدروسا قائما على معلومات موثوقة ومؤكدة عن النوايا الحقيقة لنبي أمية ولسوابقهم التي لم تكن قد أضحت يومها تاريخية في قتل خصومهم اغتيالا بالسم أو بغيره، ولذا كان قرار الخروج " من " مكة " إلى " أرض كربلاء لا إلى أي مكان آخر، لا إلى اليمين ولا إلى أي الأرض أخرى. ثم هو في لقائه مع الفرزدق يؤكد هذا المعنى. ولا يسعنا إلا تصديق ما جاء على لسان الحسين، فقد التقى الفرزدق الشاعر بقافلة الحسين فسلم عليه وقال