فقال النبي صلى الله عليه وآله: " لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة " (31).
لقد حسمت هذه المبارزة الموقف لصالح المسلمين، وكفى الله بها المؤمنين القتال حقا، وكان ابن مسعود يقرأ: وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب (32).
كان الوقت الذي زحفت فيه الأحزاب وقت برد شديد، وأجرى النبي مفاوضات مع زعماء غطفان الذين لم يكن لهم في هذه الحرب من مصلحة سوى ما وعدهم اليهود به من إعطائهم تمر خيبر مدة سنة (33)، فكانوا مهيئين للانسحاب من التجمع، فقد أدركوا أن أملهم بالمكاسب المادية مجرد أحلام، وفقدت البطون ثقتها باليهود بعدما أخلفهم بنو قريظة ما اتفقوا عليه، واكتشف اليهود أن البطون سترحل وتتركهم وحدهم أمام محمد لينكل بهم، فانهارت بذلك أهم أسس تحالف الأحزاب، وأكثر النبي صلى الله عليه وآله من الدعاء " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، أهزم الأحزاب " حتى استجاب الله تعالى دعاءه في اليوم الثالث، فعصفت الريح وزمجرت، واضطر أبو سفيان لإلقاء كلمة حلل فيها الموقف قائلا: " إنكم والله لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والكراع، وأجدب الجناب، وأخلفنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقد لقينا من الريح ما ترون، والله ما يثبت لنا بناء، ولا تطمئن لنا قدر، فارتحلوا فإني مرتحل " (34).
وهكذا تراجعت الأحزاب وهي تجر أذيال الخيبة والانكسار، ونجت المدينة المنورة من بطش أعظم تجمع عرفه تاريخ المواجهة مع النبي صلى الله عليه وآله.