وحتى لا يتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب، أود أن أذكر بأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفان وكذلك أم المؤمنين عائشة، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، صلى بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا (1).
كما أخرج مسلم في صحيحه، قال الزهري قلت لعروة ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان.
سبحان الله! وهل هناك تأويل يمحق السنة النبوية غير هذا وأمثاله من التأويلات؟ وهل يلوم أحد بعد هذا أبا حنيفة، أو أحد الأئمة أصحاب المذاهب الذين تأولوا، فحللوا وحرموا وفق تأويلهم واجتهادهم مقتدين في ذلك بسنة هؤلاء الصحابة.
وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما)، ويقول لمن أجنب ولم يجد ماء: (لا تصل). رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا).
أخرج البخاري في صحيحه في باب (إذا خاف الجنب على نفسه) قال:
سمعت شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبد الله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وآله كان يكفيك أن تضرب ضربتين وعلمه التيمم، قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول