على طريق التنظيم الدستور المكتوب لترتيب الأوضاع الداخلية لشعب المدينة وما حولها تمهيدا لإعداده للمواجهات وضع النبي دستورا مكتوبا عرف بالصحيفة، وهو بمثابة من عهد الرسول وتكون هذا الدستور النبوي من 48 مادة مصاغة صياغة دستورية من جميع الوجوه. وعند الوقوف على المعاني اللغوية للكلمات والمصطلحات التي وردت في هذا الدستور، وبعد الاطلاع على التشريعات الإسلامية التي صدرت خلال حياة النبي فيما بعد، وبعد الإحاطة بتفاصيل النظام السياسي الإسلامي، يجد الباحث الموضوعي المتجرد إن هذه الصحيفة التي وصفها رسول الله لغايات تنظيم المجتمع المدني وإعداده للمواجهة هي دستور دولة من جميع الوجوه، وهي أفضل دستور يمكن أن يوضع لترشيد المجتمع المديني في هذه المرحلة فقد اختيرت القاطنة لتكون هينة على الأسماع، خفيفة الوقع، توقظ مجتمع المدينة، ولا تهيجه.
المضمون العام للدستور يتضمن الدستور ترتيب الأوضاع الداخلية في مجتمع المدينة وما حولها في حالتي السلم والحرب، وبيان مجمل لحقوق الجماعات التي تكون المجتمع وواجباتها وحدد طبيعة العلاقات بين الجماعات المكونة لشعب المدينة وبين السلطة المتمثلة بشخصه الكريم، فحافظت كل جماعة على وجودها وأعطيت قدرا كافيا لإدارة شؤونها وحل مشكلاتها وعندما يتعذر عليها الحل فالمرجع هو رسول الله، وتضمن الدستور إعلانا ضمنيا ومكتوبا ولأول مرة بأن رسول الله هو أعلى سلطة في البلاد، وحكمه هو الفصل بحل الخلافات ورسم الدستور أفقا للعلاقات بين هذا الكيان السياسي وبين غيره