ولو لم تكن مهمة لما قاتل عليها الصحابة وجادلوا فيها بعضهم بعضا، إن ابن خلدون لم يكن - حقيقة - يفهم شيئا غير منطق الغلبة والقوة، فأصبح الشرع عنده لا يدرك إلا من هذه الزاوية البشعة.
وهكذا يتوضح لك - عزيزي القارئ - أن ابن خلدون لم يكن محققا ولا موضوعيا فيما ذهب إليه في هذا الأمر. لقد رقع غير ما مرة حتى اتسعت الرقعة على راقعها، وزيف الأحداث بنوع من السخف يثير على القرف والغثيان.
وإنه ما فعل ذلك إذ فعله إلا دفاعا عن مذهبه، لا دفاعا عن الحقيقة المقدسة، وهو الذي قال بعد سلسلة من التحريفات، " فلا يقعن عندك ريب في عدالة أحد منهم، ولا قدح في شئ من ذلك، فهم من علمت، وأقوالهم وأفعالهم إنما هي عن المستندات، وعدالتهم مفروغ منها عند أهل السنة، إلا قولا للمعتزلة فيمن قاتل عليا لم يلتفت إليه أحد من أهل الحق ولا عرج عليه (146) ".
فالحق عنده هو ما استقر عليه مذهبه، وأهل الحق هم من انتسب لفريقه، فأهل الحق على أساس ادعاءه هم وحدهم أهل السنة، وهذا بهتان عظيم.
وقد كان كلامنا عن ابن خلدون، لأنه من أشهر المؤرخين الذين حاولوا أن يفلسفوا الإمامة عند أهل السنة، وحاولوا تأسيسها نظريا، انطلاقا من مجريات واقع الخلافة وواقع تداعيتها بكثير في التحريف والتزوير.
كان ابن خلدون بلا شك، أشبه بميكيافيلي في موقفه من الأمير.