الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ٢١٢
ناحية تظافر معاني العبقرية واشتباك دلالاتها.
العبقري هو ذلك الذي شحذ ملكاته كلها بموهبة خارقة، وجعلها بحيث تكون حالة من حالاته الدائمة، وحالة من حالاته الشمولية، فهو عبقري، لأنه دائم السمو والإبداع والخلق، ولأنه شامل في كل هذا، فهو سامي بكل ما تعني كلمة سمو، في الروح والعقل والبدن، وبهذا الاعتبار كان عدد العباقرة معدودا على الأصابع، ونادرا كندرة الكبريت الأحمر!.
والعبقرية أيضا ينظر إليها في محيطها الجغرافي وبيئتها الاجتماعية، وطورها التاريخي فهي لها ما يميزها عن العبقرية في بلاد الإغريق، أو في بلاد فارس، ذلك أن أجواء الصحراء العربية وما يميز ساكنتها من خشونة في الطباع، وانقسام في الاجتماع، وتنقل عبر الكثبان الرملية البعيدة والمرهقة بخيامها المنتصبة وإبلها المتسيبة وأشعارها وأرجازها. ليست هي إغريقيا أو أثينا أورقورينا.
بتماثيلها ومسارحها وحكمها. وينقلنا إلى تلك المفارقة ما جرى بين الطبيب اليوناني والإمام علي (ع) (1).
فهذا الطبيب اليوناني، بالإضافة إلى شركه وجهله المسبق بحقائق هذه الشخصيات، لم يكن مستهزئا ولا حاقدا، إنه عالم من علماء الطب الحكمي.
جاء متشبعا بنظرة الأغارقة للجمال كما تمثله ايقوناتهم وكما برز في نحوتهم. الساق العامرة الممتلئة، والانسجام العضلي الدقيق كما تبدعه أنامل النحاة في بلاد الإغريق، وكان ذلك الطبيب يرى أن ما ينقص عظمة الإمام علي (ع) هو هذه الساق الدقيقة النحيلة وعدم الانسجام بين بطنه وساقه، كانت هذه النظرة تختلف عن نظرة عبقري آخر، ابن الجزيرة العربية، متشبعا بقيم سماوية تبعث في سمو الروح وقوة الباطن وجمال الخلق الاجتماعي، وتجد بديلا عن حسن المراسم والقسمات ومضة النور التي تخرج الذات من ظلمتها وتكسبها جمالا أخاذا، يخاطب النظر والروح معا، إنها مفارقة، تجعل من معاني العبقرية أمرا معقدا للغاية، والعقاد وهو يأخذ على نفسه العمل على إبراز جانب العبقرية من

(1) الإحتجاج / الطبرسي ص 35.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235