ناحية تظافر معاني العبقرية واشتباك دلالاتها.
العبقري هو ذلك الذي شحذ ملكاته كلها بموهبة خارقة، وجعلها بحيث تكون حالة من حالاته الدائمة، وحالة من حالاته الشمولية، فهو عبقري، لأنه دائم السمو والإبداع والخلق، ولأنه شامل في كل هذا، فهو سامي بكل ما تعني كلمة سمو، في الروح والعقل والبدن، وبهذا الاعتبار كان عدد العباقرة معدودا على الأصابع، ونادرا كندرة الكبريت الأحمر!.
والعبقرية أيضا ينظر إليها في محيطها الجغرافي وبيئتها الاجتماعية، وطورها التاريخي فهي لها ما يميزها عن العبقرية في بلاد الإغريق، أو في بلاد فارس، ذلك أن أجواء الصحراء العربية وما يميز ساكنتها من خشونة في الطباع، وانقسام في الاجتماع، وتنقل عبر الكثبان الرملية البعيدة والمرهقة بخيامها المنتصبة وإبلها المتسيبة وأشعارها وأرجازها. ليست هي إغريقيا أو أثينا أورقورينا.
بتماثيلها ومسارحها وحكمها. وينقلنا إلى تلك المفارقة ما جرى بين الطبيب اليوناني والإمام علي (ع) (1).
فهذا الطبيب اليوناني، بالإضافة إلى شركه وجهله المسبق بحقائق هذه الشخصيات، لم يكن مستهزئا ولا حاقدا، إنه عالم من علماء الطب الحكمي.
جاء متشبعا بنظرة الأغارقة للجمال كما تمثله ايقوناتهم وكما برز في نحوتهم. الساق العامرة الممتلئة، والانسجام العضلي الدقيق كما تبدعه أنامل النحاة في بلاد الإغريق، وكان ذلك الطبيب يرى أن ما ينقص عظمة الإمام علي (ع) هو هذه الساق الدقيقة النحيلة وعدم الانسجام بين بطنه وساقه، كانت هذه النظرة تختلف عن نظرة عبقري آخر، ابن الجزيرة العربية، متشبعا بقيم سماوية تبعث في سمو الروح وقوة الباطن وجمال الخلق الاجتماعي، وتجد بديلا عن حسن المراسم والقسمات ومضة النور التي تخرج الذات من ظلمتها وتكسبها جمالا أخاذا، يخاطب النظر والروح معا، إنها مفارقة، تجعل من معاني العبقرية أمرا معقدا للغاية، والعقاد وهو يأخذ على نفسه العمل على إبراز جانب العبقرية من