إذا، فابن خلدون يثبت أن المتقولين في إمارة أسامة كانوا منافقين وسبق أن ذكرنا أن عمر وأبو بكر كانوا من المتقولين فيها. بل إن عمر بن الخطاب بقي على تقوله في ذلك إلى عهد أبي بكر. هذا علما أن التقول كان بخصوص حداثة سن أسامة وليس في موضوع البحث أصلا.
ويسترسل بن خلدون في تناقضه. لينتهي إلى حادثة مرض النبي (ص) الذي تزامن مع إصداره على بعث أسامة. ولعن المتخلفين عنه. وقد اعترف ابن خلدون بأن الرسول (ص) خرج إليهم عاصبا رأسه من الصداع. ولكن سرعان ما يورد كلاما جرى بين أبي بكر والرسول (ص).
وذكر أن رسول الله (ص) قال بعد أن قال له أبو بكر: بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال:
" على رسلك يا أبا بكر، ثم جمع أصحابه ورحب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرا (16) ".
قال ابن خلدون: ثم سألوه عن مغسله فقال: " الأدنون من أهلي، وسألوه عن الكفن فقال: في ثيابي هذه أو بياض مصر أو حلة يمانية. وسألوه عن الصلاة عليه فقال (17) ".
ولعل التناقض هنا واضح لا غبش فيه. فإذا كان ابن خلدون ينقل أن الرسول (ص) شدد على بعث أسامة، ولعن من تخلف عنه. وقد أقر المؤرخون والمحدثون بوجود أبي بكر وعمر. في هذا الجيش وبأنهم معنيون باللعن إن هم تقولوا في إمارة أسامة أو تخلفوا عنها. كيف إذن يستقبلهم الرسول (ص) وكيف يدعو لهم ويرحب بهم. وهو من قام معصبا رأسه، لاعنا المتخلفين من الصحابة عن جيش أسامة. ثم إن ما يرومه ابن خلدون هو أن يبين عبر التدليس - إن أبا بكر كان إلى جنب رسول الله (ص) ولم يشر إلى أن أبا بكر كان قد خرج إلى منزله بالسنح - كما تقدم - بل سكت عن ذلك وربط حديثه مع رسول الله (ص) مباشرة بفقرة جديدة