الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ١٢٧
ولكنه لم يختر من وجوه الرواية إلا ذلك الوجه الذي أورده المحدثون بتصرف مقيت حيث يغيبون اسم عمر بن الخطاب وهو صاحب كلمة " يهجر " لنعرف كيف أن ابن خلدون كان يحرف على طريقته ويدلس، ولا يتوخى الوضع لأسباب سبق أن قلنا إنها مذهبية محض.
قال ابن عباس: " يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله وجعه، فقال: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع وعندكم كتاب الله، فاختلف أهل البيت فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (ص) قال لهم قوموا عني، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (20) ".
وحسبك أن الاضطراب الذي نتج عن فعل التصحيف والتحريف، إن الخبر جاء بصيغ مختلفة كلها تعكس تدخل أقلام التحريف لتجيير الحقيقة لصالح عمر.
فمرة يجعلونها في صيغة الغائب: " وقال بعضهم " وهي الصيغة التي اختارها ابن خلدون. وهناك من جعلها بصيغة الاستفهام " أهجر " يستفهم! وقد أخرج البخاري، قال عمر: " إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم كتاب الله " بيد أن ابن خلدون سكت عن اسم عمر بن الخطاب، وجاء بما يلبس على الناس.
وبعد ذلك لم يتطرق لما جرى بعد سماعه (ص) اللغط من حوله. وبعد أن تلقت أذنه الشريفة كلمة " الهجران " حتى أدرك أنه لم يعد بعدها جدوى من الوصية.
لأن الأمر بعدها سيكون أخطر. وسيكون السؤال، هل إن كلام الرسول (ص) حق ناطق عن الوصي أم أن كلام الرسول (ص) فيه نوع من الهجر. وإذا ثبت الهجر في قوله ذلك، ترتب عليه ثبوته في كل أقواله. مما ينفي العصمة عنه. أو لم يحاول بعضهم النيل من عصمة النبي (ص) حتى يتمكن من تأويل بعض أقواله بما لا يطابق حقيقتها. وسيكون الأمر بعدها أشد حرجا على الإسلام، عندما يبدأ الطعن في النبوة ومقامها الشريف. فالأولى التضحية بالإمامة بدل النبوة، لأن الإمامة قد تعود ما دامت هي امتداد للنبوة. أما لو أن الخلاف كان في النبوة، للزم الدور. ولكان من باب المستحيلات الدعوة إلى الإمامة مجددا. وهذا ما جعل

(20) رواه البخاري في صحيحه، باب قول المريض قوموا عني. وأورده مسلم في كتاب الوصية.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235