وقد بالغ بن خلدون في تبرير واقع الخلافة حتى صوره أ. ف. غويتيه بكونه شخصية وقحة، لا تعرف سوى حقوق القوة، أو الوقيعة، وعاجزة عن أن تدرك غير الطغيان (9).
ليس المقصود من التوقف عند بن خلدون أن نقدم للقارئ تحليلا عن حياته وكتاباته. وأنما نريد هنا التطرق مباشرة لطريقته في تناول الأحداث المتصلة بقضية الإمامة وأهل البيت وتاريخ الخلاف.
كانت اهتمامات ابن خلدون الأولى منصبة على الفلسفة بالدرجة الأولى والفقه واللغة. من جهة أخرى.
وكان العصر الذي عاش فيه يتميز باضطراب شديد، خصوصا في منطقة المغرب والأندلس. فسقوط دول وقيام أخرى. يغير ويبدل من أحوال البلاد ويعيد الأمور صوب وجهة جديدة. فالأنصار اليوم هم الأعداء غدا. والأعداء اليوم يتحولون بفعل التحول والانقلاب في الدول إلى أنصار ووزراء. وكان هو ضحية لأعمال السياسة الفاشلة. إذ أنه قضى جل حياته متقلبا بين السجون والبلاط. وعلى امتداد المغرب الإسلامي، كان بن خلدون إما متآمرا أو متزلفا.
إلى أن تحول إلى مسالم يعتزل السياسة ويميل إلى العلم. والعلم الذي استهواه في نهاية رحلته، كان هو التاريخ. من أجل تضمينه بتجربته والإفاضة عليه بما اكتسبه من خبرات. ومن هنا جاء مؤلفه الشهير " العبر ". والمتتبع لتاريخ بن خلدون يدرك الأسباب التي جعلت ضحية النزعة الجبرية والتشاؤمية أحيانا.
واهتمامه بالدول والعمران نشؤهما وزوالهما، كل هذا كان انعكاسا لتجربته الطويلة والمرة.
وسوف نطلع على نص لابن خلدون، يؤاخذ فيه مناهج المؤرخين الذين جاء على أثرهم. ويعتبر نفسه صاحب الفضل في اكتشاف ما يصلح للأخبار عن الماضي، لكي نحاسبه على ضوء عقلانيته في مقام تناولنا لمسألة الإمامة والخلافة في تاريخه. يقول: