" ثم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذي منه المثال، ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال، فيحلبون الأخبار عن الدول، وحكايات الوقائع في العصور الأول صورا قد تجردت من موادها، يكررون في موضوعاتها الأخبار المتداولة بأعيانها اتباعا لمن عني من المتقدمين بشأنها، ويغفلون أمر الناشئة في ديوانها، ثم إذا عرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقا محافظين على نقلها وهما أو صدقا، لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها، ولا علة الوقوف عند غايتها، فيبقى الناظر متطلعا إلى اقتفاء أحوال مبادئ الدول ومراتبها، مفتشا عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها، باحثا عن المقنع في تباينها أو تناسبها (10) ".
وكان مما وقع فيه ابن خلدون من مآزق إنه كان يصطنع للسلاطين الذين تزلف لهم، قصصا لا رصيد لها من الواقع. كأن ينسب زعماء الدولة الحفصية إلى عمر بن الخطاب. كما جاء في قصيدته للخليفة أبي العباس (1370 - 1394 م)، جاء فيها:
قوم، أبو حفص أب لهم، وما أدراك والفاروق جد أول وكان الحفصيون، قوما من البرير من قبيلة هنتاتة وهي جبال مصمودة ببلاد المغرب الأقصى. هذا وكثير مثله من أمثلة التزوير والتزييف التي كان يقوم بها ابن خلدون. وسكوته عن الكثير من الوقائع التاريخية حفاظا على سمعة السلطان.
وتأويله لكثير من الأحداث. كما سنرى في مثال تأريخه لوقائع العهد الأول وعصر الفتنة ومسألة الخلافة.