هذه الفقرة التي ختم بها ابن خلدون حديثه عن مرض الرسول (ص) تنطوي على حبكة مقصودة وتناقضات مفضوحة. فأما الحبكة فهي تكمن في عملية الانتقاء للخبر الواحد الذي تكاثرت وجوهه كما سنرى. وتكمن من جهة أخرى في جعل الأمور كلها تدور بين يدي أسرة ابن أبي قحافة.
فهناك أبو بكر الذي أمره بالصلاة على الناس، وهناك عائشة التي اضطجع في حجرها وهناك عبد الرحمن بن أبي بكر الذي دخل بسواك أخضر. هناك تعلق شديد أبداه رسول الله (ص) بهذه الأسرة التيمية. فهو يرتاح إلى حجر بنت أبي بكر ويرتاح لصلاة أبيها، ويريد سواك أخيها عبد الرحمن ليستن به. وإنها لعمري من روائع البكرية وشطحاتها. وتتأكد لنا الحبكة هنا في أن ابن خلدون لم يحكي لنا عما قام به أهل بيت الرسول (ص) أين كان علي (ع) وأين كانت فاطمة (ع) والحسنين (ع) في هذا الحدث رغم إنه لم يمنعهم عنه جرف ولا سنح!!.
وما هو ذلك العهد الذي عهد به إلى علي (ع) في آخر عمره. وماذا جرى بينه وبين بضعته الطاهرة، التي أحبها وفضلها على نساء العالمين. فالحبكة هنا مقصودة وواضحة في ثنايا الخبر.
أما التناقض المفضوح فهو في ما ذكره ابن خلدون في مفتتح كلامه عن مرض الرسول (ص) قال: قال رسول الله (ص) " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده. وفهمها أبو بكر فبكى فقال: بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا ".
فالكلام هنا واضح لا يحتاج إلى تأويل. إن أبا بكر أدرك بوعيه الثاقب أن الرسول (ص) مقبل على الوفاة. وأنه معرض لها ابتداء من تلك الساعة وفي أي لحظة من تلكم اللحظات. غير أنه في مختتم كلامه، قال:
" قال له أبو بكر: إني أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب، وخرج إلى أهله في السنح (33) ".
فكيف يراه بخير وقد عصب رأسه وهو كما ذكر بن خلدون، كان يدخل يده