الوصي على لسانه.
وإذا أردنا الإطناب في تلك الرزية، فلنذكر ما جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد وغيره، حول ما جرى بين عمر وابن عباس، عندما انتهى عمر إلى القول:
" لقد كان من رسول الله (ص) في أمره ذرو من قول (أي في أمر علي (ع)) لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك، إشفاقا وحيطة على الإسلام، لا، ورب هذه البنية، لا تجتمع عليه قريش أبدا، ولو وليها لانتفضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم " (21).
وهذا يعني أن الرسول (ص) سكت لما علم موقف عمر من علي (ع) وإنه رافض لخلافته ومنازعه إياها. وهذا الكلام كله الذي جرى في حضرة الرسول (ص) لم يورده بن خلدون مخافة على فاروقه من تقريع التاريخ. ومخافة على مذهبه من الافلاس.
ولعمري، إن الفضيحة هذه المرة ظهرت على لسان ابن خلدون. وتجبره على النطق بما يشوه تدبير المحرفين. قال: " وأوصي بثلاث: أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم، وسكت عن الثالثة أو نسيها الراوي.
هذه العبارة تستبطن أمرا خطيرا، سكت عنه الرسول (ص) كما ذكر ابن خلدون. ولكن الأمر يختلف عما دبره. فالراوي هو الذي نسيها. وابن خلدون لم يذكر الراوي ولا خلفية النسيان والسكوت. ابن خلدون الذي نعى على المؤرخين السابقين تقليدهم في نقل الأخبار.
هاهو لم يستخدم ملكته في تحليل أحوال العمران. في اكتشاف الأيدي التي عبثت بهذا الخبر. والعقول التي أسرفت في تحريف معناه. والخبر كما ذكره البخاري في كتاب الجهاد والسيرة من صحيحه هو. قال: ونسيت الثالثة.