إنهم رأوا كيف أن عليا (ع) كان على اتصال بالثوار وأن قيادات الثورة وطلائعها كانوا من خلص أصحابه، والساعد الأيمن له بعد بيعته وأنه حريص على تبرئتهم والدفاع عنهم وكان علي (ع) قد دخل على نافلة بنت الفرافصة زوجة عثمان قال لها: من قتله وأنت كنت معه؟ قالت: دخل إليه رجلان وقصت خبر محمد بن أبي بكر، فلم ينكر ما قالت، وقال:
والله لقد دخلت عليه وإني أريد قتله، فلما خاطبني بما قال خرجت، ولا أعلم بتخلف الرجلين عني، والله ما كان لي في قتله سبب ولقد قتل وأنا لا أعلم بقتله (100).
نعم.. هذا هو منطق الإمام علي (ع) منطق الثورية وأسلوب التقية فهو قتله ولم يقتله. قتله لما ذكر استحقاقه للموت والهم بقتله ولكنه ما كان له سبب في قتله تلك الليلة ولا علم بقتل عثمان وكيفية ذلك. إنها عين التقية التي مارسها الأنبياء. وأشبه ما تكون بموقف إبراهيم (ع) في رد المشركين إلى كبير الأصنام.
وعدم اعترافه بهدمها. إنها تقية واجبه في هذا المقام. على أنبياء الله كما على أولياءه. بيد أن الإمام علي (ع) لم يستطع أن يتقي كل من حوله ممن رأى خلفية الثورة، وهؤلاء بلا شك كانوا أصحاب أطماع وأهواء أخرى، حاولوا تحقيقها من خلال طلب الثأر لعثمان. غير أن الشعار كان حقيقيا، إذ كثيرا ما أريد بكلمة الحق باطلا. فعلي (ع) هو قاتل عثمان. لما كان هذا الأخير مغتصبا. وكان الواجب يفرض على علي (ع) إزاحة الباطل. فمن أهدى من علي (ع) ومن أحرص منه على إزاحة الباطل!.
وللإمام علي (ع) خطبة حول المقتل يحسن بالمتدبر في ثناياها أن يعي حقائقها.
قال (ع): " لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا. غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني: وأنا جامع لكم أمره، استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع (101) ".