الثاني: لأن الإسلام كان دائما يوجه إلى فتح نافذة التاريخ للوقوف عند تجارب الأمم، واستخلاص العبرة منها بما يصلح لإفادة الحاضر والمستقبل.
والقرآن يتسع لفيض من تلكم الآيات التي تحث على تدبر الماضي وقراءته قراءة تاريخية منتجة، ويستخدم كلمتين في شد الناس إلى التاريخ ويركز كثيرا على أحداهما.
والكلمتان هما: الماضي. والماقبل.
ففيما يتصل بالماضي، يذكر القرآن آيتان:
" فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين " (1).
" وأن يعودوا فقد مضت سنة الأولين " (2).
وربط كلمة ماضي بالأولين، في حين استخدم عبارة (ما قبل، من قبل.) كثيرا. إنه لا يعتبر الماضي أمرا غابرا، خصوصا في مقام الحديث عما يفهم منه حديث عن السنن الاجتماعية. فإنه يستخدم عبارة ما قبل، أو من قبل. ليبين بأن المسألة لها صلة بكل أطوار التاريخ. وبأن الحدث الواقع في الماضي هذا له امتداداته المنطقية على الحاضر والمستقبل. ومن هنا، يبين بأن النظر إلى الماضي وهو نظر في الحاضر والمستقبل. نظرة من الخلف. وذلك هو أرقى مبدأ في فلسفة التاريخ. وأهم قاعدة في منهجه.
يقول تعالى: " سنة الله في الذين من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا " (3) " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " (4).
" وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما " (5).