فموقف الإمام واضح من خلال ما ينطق به النص إنه لم يأمر ولم ينه. ونحن دائما نصرف ذلك للتقية. نظرا لما بين أيدينا من قرائن، كتلك التي تتعلق بالظروف التي عاشها. ونظرا لموقفه الجذري من اغتصاب الخلافة. وقد كان الإمام كما سبق القول على جانب من القدرة في رد المعتدين. فسكوته هنا كسكوته على الخلافة من قبل. فهي مدارات يتقي بها ارتداد الناس وحمية الجاهلية. وقد سألوه يوما: أرضيت بقتله؟ فقال: لم أرض، فقيل له: أسخطت قتله؟
فقال:
لم أسخط (102) فإذا لم يكن راض يعني أنه ساخط. ولكن الإمام يريد أن يقول لهم. إن قتله لا يرضيه، ما دام إن الأمور لم تحل من جذورها. ولكن هذا لا يعني أنه يسخط بقتله.
وذكر بن أبي الحديد من أقواله المختلفة والكثيرة، قوله تارة، الله قتله وأنا معه. وقوله أخرى، كنت رجلا من المسلمين أوردت إذ أوردوا، وأصدرت إذا أصدروا.
لقد ذكر الرسول (ص) في حديث له: إن عليا سيقاتل على التأويل. وكان عثمان أشد الخلفاء محاربة للتأويل وذلك بتتبعه القراء ومعاقبتهم كابن مسعود وحرقه القرائين وتأويلها. وتجدر الإشارة إلى تلك المصادفة العجيبة التي تزامنت مع الثورة على عثمان ومبايعة علي (ع).
إذ جرى ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة. وهي الذكرى السادسة والعشرين لواقعة الغدير الذي فيه خطب الرسول (ص) في المسلمين معلنا ولاية علي (ع) استجابة للنداء القرآني (بلغ ما أنزل إليك من ربك، فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
ترى هل كانت تلك محض مصادفة أم إنها تدبير إلهي خفي لجعل ذكرى يوم التنصيب، ذكرى لإقصاء المغتصب وتنصيب علي (ع) أقول، إنه لو لم تكن ثورة شيعة علي (ع) هي التي جاءت بعلي (ع) وفرضت ولايته لما رآها بنو هاشم البتة.