الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٩٩
متسق مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، وأخبرهم أن تعدد الآلهة يكون من نتيجته أن يقوم كل منهم بقهر الآخر ويعلو بعضهم على بعض.
أخبرهم بهذا وبأكثر من هذا كما في كتاب الله، ولكن رياح السلف كانت تعصف داخل الجماجم الفارغة التي لم تقدم حقيقة واحدة تثبت صدق ادعائها.
واكتفوا بركوب دواب الأهواء التي يأكلون بها أموال الناس بالباطل واتجهوا بدوابهم وراء سلف ضل وأضل. ولله عليهم الحجة البالغة. وكما نهاهم القرآن أن يقولوا بأن لله ولد، نهاهم بأن لا يقولوا أن الله ثالث ثلاثة، وأن لا يقولوا على الله إلا الحق. قال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) (21) قال المفسرون: إنه خطاب للنصارى، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب، وهو وصف مشترك إشعارا بأن تسميتهم بأهل الكتاب يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله الله وبينه في كتبه. ومما بينه أن لا يقولوا عليه إلا الحق. وقوله: (إنما المسيح) أي المبارك " عيسى ابن مريم " تصريح بالاسم واسم الأم. ليكون أبعد من التفسير والتأويل بأي معنى مغاير. وليكون دليلا على كونه إنسانا مخلوقا كأي إنسان ذي أم. (وكلمته ألقاها إلى مريم) تفسير لمعنى الكلمة، فإنه كلمة " كن " التي ألقيت إلى مريم البتول. لم يعمل في تكونه الأسباب العادية كالنكاح والأب. قال تعالى: (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) (122) فكل شئ كلمة له تعالى. غير أن سائر الأشياء مختلطة بالأسباب العادية. والذي اختص لأجله عيسى عليه السلام بوقوع اسم الكلمة. هو فقدانه بعض الأسباب العادية في تولده (وروح منه) والروح من الأمر. قال تعالى: (قل الروح من أمر ربي) (123) ولما كان عيسى عليه السلام. كلمة " كن " التكوينية وهي أمر فهو روح.

(121) سورة النساء، الآية: 171.
(122) سورة آل عمران، الآية: 47.
(123) سورة الإسراء، الآية: 85.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست