شيئا لم تفعله بأحد سواه؟، فقال: هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، فإن أردت العلم الصحيح فعند هذا (1).
وهكذا عانق الرشيد الإمام الكاظم وأكرمه، وجلس متأدبا بين يديه، وشهد له بأنه وارث علم النبيين ولكن ما جدوى ذلك كله: إن علم النبيين لم يشفع للإمام الكاظم عند هارون الرشيد، حين رأى من حب الناس، وتعلقهم به، ما رأى، فاستعرت في قلبه نيران الحقد، وسيطرت عليه الأنانية، فقتل من أبناء النبيين ما قتل، وما ذنب الإمام الكاظم إذا أحب الناس العلم وأهله، والحق ومن انتصر له.
إن الإمام الكاظم لم يخرج على حاكم، ولا دعا أحدا إلى مبايعته ولم يحرك ساكنا ضد الرشيد ولا غيره، وكل ذنبه - عند أقربائه بني العباس - أنه وارث علم النبيين، وأنه إمام حق وهدى، وغيره إمام باطل وضلال (2). وروى الصبان في " إسعاف الراغبين " لما اجتمع الرشيد والإمام الكاظم في المدينة المنورة أمام الوجه الشريف (في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف)، قال الرشيد: " سلام عليك يا ابن عم "، وقال موسى: " السلام عليك يا أبة "، فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيدا، فلم يخرج من حبسه إلا مقيدا ميتا مسموما (3).
وفي رواية الحافظ ابن الكثير: لما حج الرشيد ودخل ليسلم على قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله، يا بن العم، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا أبة، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا أبا الحسن، ثم لم يزل ذلك في نفسه، حتى استدعاه