الحديث الحق - سنيا كان أو شيعيا - له زهده الخاص، وهو يختلف عن زهد غيره، فهو يلتزم بالقرآن والسنة، ولا تنبثق معاني زهده من أي مؤثر خارجي - سواء أكان مسيحيا أو هنديا أو فارسيا أو غنوصيا - إنه يتحرى الحديث تحريا علميا، ولا يتعبد إلا على ما ثبت له صحته، فالذكر والخشوع والصبر، ومعرفة الخطرات، وكثرة البكاء والعويل، كانت سمة لمحدثي الإسلام الحقيقيين، بل كانت سمة للمعتزلة أيضا، وكانوا يتحرون الدقة في الأخذ بالأحاديث.
وهكذا كان زهد الإمام الباقر، هو الزهد الذي عرفه علماء الحديث في الإسلام، وعرفوا به، وهو زهد من نوع خاص يبعده عن حركة الزهد العام التي عاصرته، بل إننا لا نرى كلمة الزهد في كلماته أو حتى في حكمه، وكذا نراه يتكلم عن الخطرات، وهي ليست من نوع خطرات النفس عند الزهاد والصوفية، وإنما يفسر بها اليقين، فيقول " الإيمان ثابت في القلب، واليقين خطرات، فيمر اليقين بالقلب، فيصير كأنه زبر الحديد، ويخرجه منه فيصير كأنه خرقة بالية، وما دخل قلبا شئ من الكبر، إلا نقص من عقله بقدره أو أكثر (1).
ثم هو يتابع أباه في سن البكاء للمسلمين، فيقول: ما اغرورقت عينا عبد بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار، فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شئ إلا وله جزاء إلا الدمعة، فإن الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيا بكى من خشية الله في أمة، رحم الله تلك الأمة (2).
هذا وقد استغل الصوفية كل هذا، وأدخلوا الإمام الباقر في تيار الزهد العام، ونرى " بشر الحافي " (3) يقول: سمعت منصور يقول عن الباقر: الغنى