وكان فريد الدين العطار يرى أن تواضع الإمام الباقر إنما كان مقاما ساميا لا يصل إليه أصحاب الكبر والجبروت، فقد نقل أنه سأل أحد خواص الإمام الباقر، كيف يقضي الإمام ليله؟ فقال: " إذا حل الليل، وفرغ من ترديد الأوراد، قال في صوت عال، إلهي وسيدي حل الليل، وآنت ولاية تصرف الملوك، وظهرت النجوم، ونام الخلائق " (1)، وهكذا ارتفع التواضع في نظر الصوفية، حتى صار جلالا بعد جلال السلطان المادي (2).
على أن الدكتور النشار إنما يذهب إلى أن الكثير من المتصوفة والزهاد يحاولون وضع الإمام الباقر في سلسلة الزهد والتصوف، كما حاولوا أن يثبتوا انتقال العلم اللدني إليه خلال البشارة بمولده، ولكن تحليل كلمة " الباقر " نفسها يثبت العكس تماما، فقد قيل له الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، وعرف أصله وخفيه، وتوسع فيه، والمقصود بالعلم هنا " علم الحديث " واستفاضت الآثار فيه أنه محدث وتابعي، ومدني تابعي ثقة، بل ينقل ابن سعد عنه قوله: " إنا آل محمد نلبس الخز واليمنة والمعصفرات والممصرات " (3).
وهذا يعني - فيما يرى الدكتور النشار - أنه لم يتخذ الزهد نظاما معينا، له قواعده وأصوله، وقد ذكره أيضا زهد الغلاة، إنه إنما كان محدثا عابدا أو زاهدا، على طريقة أهل السنة، على أننا في الوقت نفسه نرى نصا يقدمه " ابن كثير " يقول فيه: " وسمي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم، وكان ذاكرا خاشعا صابرا، وكان من سلالة النبوة رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفا بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضا عن الجدال والخصومات " (4).
وعلينا أن نفسر النص في حدوده، وهي حدود " عالم الحديث "، فعالم