قاموس الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٨٤
فكل كلمة وكل عبارة وكل صيغة جاءت من ذلك العصر أو وجدت في العصور السابقة لعصر النبي.
أما من ناحية التغيير في أسلوب الكتابة فإنه من المسلم به أن الأسلوب يتابع الموضوع والظروف والأزمنة المعينة في حياة الكاتب الواحد. فهناك مثلا اختلاف كبير بين كتابات شكسبير في حقبة ما في حياته وكتاباته في حقبة أخرى، مع أن نشاطه الأدبي ومدة إنتاجه لم تتجاوز خمسة وعشرين عاما.
وقد تمكن النقاد أن يتبينوا أربع مراحل متفاوتة في رواياته تظهر واضحة في اختلاف أسلوبه في مرحلة ما عن الأخرى. أما مدة نشاط إشعياء وزمن إنتاجه فقد زاد كثيرا على الأربعين عاما، وربما امتد إلى الستين عاما أو يزيد. ومع ذلك فلا يمكن أن نتبين تفاوتا كبيرا في الأسلوب بل بالحري يثبت الأسلوب وتقاربه وحدة السفر ووحدة المؤلف.
(2) وقد قال بعض النقاد أن هناك إشارات في إشعياء إلى الأمم الأجنبية تظهر أحوال ما بعد السبي لا الأحوال والظروف التي كانت سائدة في عصره، وللرد على هذا يكفي أن نذكر ما يأتي.
أ: من طبيعة النبوة ومن عبقرية الوحي أن ينتقل النبي برؤيا صافية وحس مرهف وبقوة معجزية إلى المستقبل. وإلا فإننا ننكر قوة الوحي ومكانة المعجزة. وإننا نرى في إشعياء نبوات لم تتم في عصره بل تمت بعد عصره بأزمنة بعيدة، فمثلا يقول عن زبلون ونفتالي وكانا في عصره، قد أخذا في السبي وأخربت أرضهما وبلادهما، يقول عنهما: " الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما، الساكنون في أرض ظلال الموت، أشرق عليهم نور " (اش 9: 2). ولكن ما فاق كل شئ من حيث قوة الوحي وقوة المعجزة هو تنبؤاته عن المسيح كولادته من عذراء ولاهوته وآلامه وموته ودفنه وقيامته مما يظهر بوضوح لكل ذي عينين مبصرتين وقلب مؤمن.
ب: أما نبؤاته عن بابل والسبي والرجوع منه فليست بالكثيرة إلى الحد الذي ينقلهما من ميدان النبوة إلى ميدان التاريخ.
ج: ينبغي أن لا يفوتنا أن إشعياء والأنبياء الذين عاصروه كانوا يعيشون في حالة ترقب لكثير من الحوادث التي وقعت فيما بعد.
فكانوا يتوقعون مثلا انكماش قوة أشور وقيام قوة بابل ونهوضها.
وقد تنبأ الأنبياء الذين عاصروا إشعياء بخراب أورشليم والهيكل (عا 2: 5 وميخا 3: 12 وقارنهما مع اش 3: 8 و 6: 11) وتنبأوا بالقضاء على أرض يهوذا كما في (هو 8: 14 وعاموس 9: 11 و 14 وقارنه مع اش 3: 25 و 26 و 6: 11 و 12 و 32: 13) وبسبي يهوذا (ميخا 1: 14 - 16 وقارنه مع اش 11: 12) وبأن الشعب سيسبى في هذه المرة إلى بابل (ميخا 4: 10 وقارنه مع اش 39: 6 و 8) وكذلك تنبأوا بالرجوع من السبي (يوئيل 3: 1 وقارنه مع اش 11: 11) وبإعادة بناء أورشليم والهيكل (ميخا 4: 2) مع أنهم قد سبقوا وأنبأوا بخراب أورشليم (ميخا 3: 12 وقارنه مع يوئيل 3: 16 - 20) وقد تنبأوا أن شعوبا كثيرين سيأتون ليعبدوا في أورشليم (اش 2: 2 - 4 و 11: 10 و 18:
7 مع ميخا 4: 1 - 3).
د: حالة الشعب الروحية التي تظهر لنا في سفر إشعياء هي انعكاس صادق لما كانت عليه حالة الشعب في ذلك الحين، كما يظهر ذلك في كتابات الأنبياء والمؤرخين الذين عاشوا في ذلك العصر، كانغماس الشعب في العبادة الوثنية تحت كل شجرة خضراء مثلا (اش 1: 29 و 57: 5 وقارنه مع 2 ملو 16: 4) وبين أشجار البطم (اش 1: 29 و 57: 5 وقارنه مع هو 4:
13) وبالذبح في الجنات (اش 65: 3 و 66: 17) وذبح الأطفال في الوديان (اش 57: 5 و 2 أخبار
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»