ويذكر سفر " صعود إشعياء " وهو واحد من الأسفار غير القانونية أن إشعياء مات منشورا بالمنشار تنفيذا لأمر الملك منسى. ويعتقد البعض أن في الرسالة إلى العبرانيين ص 11: 37 إشارة إلى استشهاد إشعياء، ولذا فربما كان دم إشعياء النبي من ضمن الدماء الزكية التي أراقها منسى في أورشليم (2 ملو 21: 16).
ويعتبر إشعياء أعظم أنبياء العهد القديم قاطبة وذلك من عدة وجوه. فأسلوبه الأدبي الرائع يعتبر أجمل ما ورد في العهد القديم. وعدد المفردات التي يستخدمها إشعياء يفوق أي مقدار في أي من أسفار العهد القديم وغالبية سفر نبوات إشعياء شعر عبري راق. وبالإضافة إلى سفر نبواته فقد ورد في 2 أخبار 26: 22 أنه كتب حياة الملك عزيا. وقد كتب حياة للملك حزقيا في سفر يدعى " رؤيا إشعياء " (2 أخبار 32: 32). ولم تحفظ لنا هذه الأسفار التاريخية. ولكنها ربما كانت ضمن المصادر التي استقى منها كتاب أسفار الملوك وأخبار الأيام الكثير من معلوماتهم.
وكان إشعياء مصلحا اجتماعيا. ففي الأصحاحات من 1 - 5 نراه يلوم شعبه أشد اللوم، ويوبخهم أقسى التوبيخ بسبب رشوتهم وتعويجهم القضاء وظلمهم للمسكين (ص 1: 23) ولأجل بذخهم وترفهم (ص 3: 16 - 24) ولأجل طمعهم وجشعهم وسكرهم (ص 5: 11 - 12) ولأجل انعدام الإحساس الخلفي عندهم (ص 5: 20).
أما كسياسي فقد أدرك إشعياء تمام الإدراك وبإرشاد روح الله شؤون عصره والأحوال التي كانت سائدة فيه. فقد رأى سقوط دمشق قبل وقوعه، وتنبأ عن سقوط السامرة قبلما سقطت. وكذلك تنبأ بامتداد سلطان الأشوريين على الشرق الأوسط (اش ص 7). ورأى في المستقبل البعيد بابل والخطر المحدق منها بيهوذا (اش ص 39). وقد أدرك أن ليس من الحكمة في شئ أن يعتمد يهوذا على مصر في معاونته ضد أشور (اش ص 30 و 31) وقد علم إشعياء بقوة أن الرب وحده هو سند الشعب ومعتمده وحليفه (اش ص 37).
أما آراء إشعياء اللاهوتية فقد ارتفعت إلى السماك الأعلى. فاراؤه عن الله سامية للغاية. فقد رأى الله المثلث القداسة " قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض " (اش 6: 3) ومن ضمن عباراته التي يتميز بها سفره هوم وصفه لله بأنه " قدوس إسرائيل " (اش 1: 4) وكذلك علم بوضوح أن للعالم كله إلها وربا واحدا الإله الحي الحقيقي وحده، والإله الذي ستعترف به كل الأمم في النهاية (اش 2: 2 و 3).
وإذ نظر إشعياء إلى المستقبل أمكنه بروح الوحي والإعلان أن يخترق حجب الزمن وأن يرى خلاص البقية الأمينة (اشن 1: 9). ولكثرة نبواته عن المسيا (أنظر مثلا اش 9: 6 و 7) فقد اعتبر " النبي الإنجيلي " وتقتبس نبواته في العهد الجديد أكثر مما يقتبس أي سفر آخر في العهد القديم.
سفر إشعياء: ويمكن تقسيم سفر إشعياء إلى سبعة أقسام رئيسية وهي كما يأتي:
(1) من الأصحاح الأول إلى الأصحاح الثاني عشر. ويشمل هذا القسم نبوات عن مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ويشمل نبوات نطق بها في مناسبات متنوعة من سنة 740 ق. م. تقريبا إلى سنة 701.
وفي هذا القسم نجدا: مقدمة (ص 1) ب: نبوة على أورشليم (ص 2 - 4) ونبوات أخرى عن آثار القضاء الذي يحل بها ومجد عصر المسيا. ويرجح أن النبي نطق بهذه النبوات في زمن عزيا الملك وكان زمن نجاح وتقدم وازدهار لشعب يهوذا (ص 5)