لأنه فعل هكذا، لأن هذا يحرمه من الله حياته، ويعطيه موت الجحيم الأبدي، ولكن لما كان الإنسان محتاجا وهو عائش إلى مناولة طيبات العالم هذه، وجب عليه هنا الصوم، فليأخذ إذا في إعانة الحس، وأن يعرف الله سيدا له، ومتى رأى أن الحس يمقت الصوم، فليضع قبالته حال الجحيم، حيث لا لذة على الإطلاق، بل الوقوع في حزن غير متناه، ليضع قبالته مسرات الجنة، التي هي عظيمة، بحيث أن حبة ملاذ الجنة لأعظم من ملاذ العالم بأسرها، فبهذا يسهل تسكينه، لأن القناعة بالقليل لنيل الكثير، لخير من إطلاق العنان في القليل مع الحرمان من كل شئ، والمقام في العذاب (1) "، " لعمر الله، إنه لممقوت أن يحرم المرء الجسد من الطعام، ويملأ النفس كبرياء، محتقرا الذين لا يصومون، حاسبا نفسه أفضل منهم، قولوا لي! أيفاخر المريض بطعام الحمية؟
الذي فرضه عليه الطبيب، ويدعو الذين لا يقتصرون على طعام الحمية مجانين؟
لا البتة، بل يحزن للمرض الذي اضطر بسببه إلى الاقتصار على طعام الحمية "، " لا يجب على التائب الذي يصوم، أن يتناول طعاما شهيا، بل يقتصر على الطعام الخشن، أفيعطي الإنسان طعاما شهيا للكلب الذي يعض وللفرس الذي يرفس؟! لا البتة، بل الأمر بالعكس (1) ".
" صحيح كل الصحة أنه يجب تجنب الرقاد الجسدي جهد الطاقة، إلا أن منعه البتة محال، لأن الحس والجسد مثقلان بالطعام، والعقل بالمشاغل، لذلك يجب على من يريد أن يرقد قليلا، أن يتجنب فرط المشاغل وكثرة الطعام، لعمر الله الذي في حضرته تقف نفسي، إنه يجوز الرقاد قليلا كل ليلة إلا أنه لا يجوز أبدا الغفلة عن الله ودينونته الرهيبة، وما رقاد النفس إلا هذه الغفلة (2) "!
" أرأيتم الذين يشتغلون بالحجارة المستخرجة من المقالع، كيف تعودوا بالتمرن المستمر أن يضربوا، حتى أنهم يتكالمون، وهم طول الوقت يضربون بالآلة الحديدية في الحجر، دون أن ينظروا إليها، ومع ذلك لا يصيبون أيديهم، فافعلوا إذا أنتم كذلك، ارغبوا أن تكونوا أطهارا، إذا أحببتم أن تتغلبوا دائما