الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٨٦
على الآخر وهما مجتمعان، ويجوز أن يشتغل القلب بأحدهما ولا يلتفت إلى الآخر في الحال لغفلته عنه، وهذا لأن من شروط الرجاء والخوف تعلقهما بما هو مشكوك فيه، إذ المعلوم لا يرجى ولا يخاف، فإذا المحبوب الذي يجوز وجوده، يجوز عدمه لا محالة، فتقدير وجوده يروح القلب وهو الرجاء، وتقدير عدمه يوجع القلب وهو الخوف، والتقديران يتقابلان لا محالة إذا كان الأمر المنتظر مشكوكا فيه، وأحد طرفي الشكوك قد يترجح على الآخر بحضور بعض الأسباب ويسمى ذلك ظنا، فيكون ذلك سبب غلبة أحدهما على الآخر، فإذا غلب على الظن وجود المحبوب، قوي الرجاء وخفي الخوف بالإضافة إليه، وكذا بالعكس، وعلى كل حال فهما متلازمان، ولذلك قال تعالى " ويدعوننا رغبا ورهبا "! والخوف من الله تعالى على مقامين:
(1) الخوف من عذابه: وهو خوف عموم الخلق، وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، وضعفه بسبب الغفلة وسبب ضعف الإيمان!
(2) الخوف من الله: وهو خوف العلماء وأرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الخوف، المطلعين على سر قوله " ويحذركم الله نفسه " وقوله " اتقوا الله حق تقاته "، ومن عرف الله تعالى خافه بالضرورة، لأن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا، وخلق النار وخلق لها أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا!
ولذا يرى الغزالي أن من يسرت له أسباب الشر، وحيل بينه وبين أسباب الخير، وأحكمت علاقته من الدنيا، فكأنه كشف له على التحقيق سر السابقة التي سبقت له بالشقاوة، إذ كل ميسر لما خلق له، وإن كانت الخيرات كلها ميسرة، والقلب بالكلية عن الدنيا منقطعا، وبظاهره وباطنه على الله مقبلا، كان هذا يقتضي تخفيف الخوف، لو كان الدوام على ذلك موثوقا به، ولكن خطر الخاتمة وعسر الثبات، يزيدان نيران الخوف إشعالا!
وسوء الخاتمة على رتبتين (إحداهما) أعظم من الأخرى، فأما الرتبة
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»