الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٧٧
قريب "، أي عن قرب عهد بالخطيئة، بأن يتندم عليها، ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها، قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو!
والتوبة إذا استجمعت شرائطها (بأن كانت صحيحة نصوحا، خالية من الشوائب) فهي مقبولة لا محالة، لأن كل قلب سليم مقبول عند الله، والقلب خلق سليما في الأصل، ونار الندم تحرق غبرة الذنوب، ونور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة، والله خلق الطاعة مكفرة للمعصية، والحسنة ماحية للسيئة!
والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى في ترك أو فعل، وتنقسم الذنوب إلى صغائر وكبائر، ويرى الغزالي أن الكبائر على ثلاث مراتب:
(1) ما يمنع من معرفة الله تعالى ومعرفة رسله، وهو الكفر (ومنه الشرك بالله، وكفر الأمن من مكر الله، والقنوط من رحمته)، ويليه الإصرار على معصية الله، وتناول الدين بالإغواء، والدعاء إلى البدعة، والترغيب في المعاصي وتهييج أسباب الجرأة على الله، وبعضها أشد من بعض، وتفاوتها على حسب تفاوت الجهل بها، وعلى حسب تعلقها بذات الله سبحانه وبأفعاله وشرائعه وبأوامره ونواهيه.
(2) ما يسد باب حياة النفوس، إذ ببقائها وحفظها تدوم الحياة وتحصل المعرفة (كقتل النفس والزنا واللواط)، فقتل النفس لا محالة من الكبائر وإن كان دون الكفر، لأن ذلك يصدم عين المقصود - التوصل بالدنيا للآخرة بمعرفة الله تعالى - وهذا يصدم وسيلة المقصود، والزنا دون القتل لأنه يفوت تمييز الأنساب، وأشد من اللواط، لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين، فيكثر وقوعه، ويعظم أثر الضرر بكثرته، واللواط شديد، لأنه لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور في قضاء الشهوات، انقطع النسل.
ويقول الغزالي إن للنكاح فوائد وآفات، على العبد أن يوازن بينهما، ويرجح الأصلح له منهما (1).

(1) فآفاته ثلاث: العجز عن طلب الحلال، والقصور عن القيام بحق الزوجة، وأن يكون الأهل والولد شاغلا له عن الله تعالى، وجاذبا إلى طلب الدنيا بكثرة جمع المال وادخاره للأولاد. وأما فوائده فخمسة: الولد (وهو الأصل وله وضع النكاح، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة)، والتحصن عن الشيطان وكسر التوقان، وتفريغ القلب عن تدبير المنزل وتهيئة أسباب المعيشة، ومجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده.
ويقول الغزالي: " إن الصبي أمانة عند والديه، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه، نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، ويشاركه في ثوابه أبواه ". راجع ص 95 و 97 من الثقافة الروحية في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي لمحمود علي قراعة.
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»