فالتوبة عنها بالندم، بأن يحسب مقدارها من حيث المدة، فيأتي من الحسنات بقدر تلك السيئات (فيكفر شرب الخمر مثلا بالتصدق بشراب حلال)!
وعد جميع المعاصي غير ممكن، وإنما المقصود سلوك الطريق المضادة، فإن المرض يعالج بضده، فكل ظلمة ارتفعت إلى القلوب بمعصية، فلا يمحوها إلا نور يرتفع إليها بحسنة تضادها، وهذا التدريج والتحقيق من التلطف في طريق المحو، فالرجاء فيه أصدق من أن يواظب على نوع واحد من العبادات، وإن كان ذلك أيضا مؤثر في المحو!
وأما مظالم العباد، ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى، فإن الله تعالى نهى عن ظلم العباد أيضا، فما يتعلق منه بحق الله تعالى تداركه بالندم والتحسر وترك مثله في المستقبل، والإتيان بالحسنات التي هي أضدادها (فيقابل إيذاء الناس بالإحسان إليهم، ويكفر غصب أموالهم بالتصدق بملكه الحلال، ويكفر تناول أعراضهم بالغيبة والقدح فيهم بالثناء على أهل الدين الخ..)، ثم إذا فعل ذلك كله لم ينجه ما لم يخرج عن مظالم العباد، فليستحلهم أو ليؤد حقوقهم إن قدر، وإلا فليكثر من الحسنات حتى تفيض عنه يوم القيامة، فتؤخذ حسناته وتوضع في موازين أرباب المظالم!
والإصرار على الذنوب لا يكون لفقد الإيمان (إلا إذا كان كافرا)، بل يكون لضعفه، إذ كل مؤمن مصدق بأن المعصية سبب البعد من الله تعالى وسبب العقاب في الآخرة، ولكن يرى الغزالي أن سبب وقوعه في الذنب أمور، نرى ذكرها مع علاجها الذي رآه لها:
(1) أن العقاب الموعود غيب: وعلاج هذا السبب هو الفكر، بأن يقرر على نفسه أن غدا لناظره قريب!
(2) أن الشهوات الباعثة على الذنوب ناجزة، وقد قوى ذلك واستولى عليها بسبب الاعتياد: وعلاج هذا السبب هو معالجة اللذة الغالبة عليه، وتكليف نفسه تركها، لينعم بنعيم الآخرة الدائم الخالي من الشوائب.
(3) أن طول الأمل غالب على الطباع، فلا يزال يسوف التوبة: والعلاج