والأخوة عقد ينزل منزل القرابة، فإذا انعقدت (هذه الرابطة الروحية بين شخصين)، تأكد الحق، ولذا يرى الغزالي للأخ الصاحب حقوقا عدة نجملها في أن يساهم أخاه في السراء والضراء، وأن يقيد بحقوقه جميع جوارحه، وأن يترك التكلف والتكليف (1)!
والصحبة تنقسم إلى ما يقع بالاتفاق (كالصحبة بسبب الجوار) وإلى ما ينشأ اختيارا أو بقصد! وهي عبارة عن المجالسة والمخالطة والمجاورة، وهذه الأمور لا يقصد الإنسان بها غيره إلا إذا أحبه، فإن غير المحبوب يجتنب، والذي يحب، فإما أن يحب لذاته، وإما أن يحب للتوصل إلى مقصود مقصور على الدنيا وحظوظها (وهو مذموم إن كان القصد مذموما، ومباح إن كان القصد التوصل إلى مباح كنيل جاه أو مال أو علم)!
وإما بأن يكون متعلقا بالآخرة (كمن يحب أستاذه، لأنه يتوصل به إلى تحسين العلم والعمل)، وإما أن يكون متعلقا بالله تعالى، بأن يحب لله وفي الله، وهذا أعلى الدرجات وأدقها وأغمضها!
ويقول الغزالي إن " كل من يحب في الله، لا بد أن يبغض في الله، فإنك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله، فإن عصاه فلا بد أن تبغضه، فإذا اجتمع في شخص واحد خصال يحب بعضها ويكره بعضها، فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه، وإظهار البغض إما بالقول، فبكف اللسان عن محادثته مرة، وبالاستخفاف والتغليظ في القول أخرى، وإما في الفعل، فبقطع السعي في إعانته مرة، وبالسعي في إفساد مآربه أخرى، وبعض هذا أشد من بعض، وهو بحسب درجات الفسق الصادرة منه! أما ما يجري مجرى الهفوة التي يعلم أنه متندم عليها ولا يصر عليها، فالأولى فيه الستر (2)!