الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٦٦
فيثقل القلب عن الجريان في الأفكار وسرعة الإدراك)، وبالجوع يرق القلب ويصفو، ويزول البطر " فلا تذل النفس بشئ كما تذل بالجوع، فعنده تسكن لربها، وتقف على عجزها، إذ ضعفت منتها وضاقت حيلتها، بلقيمة طعام فاتتها، وأظلمت عليها الدنيا بشربة ماء تأخرت عنها "، وبه لا ينسى بلاء الله، ولا ينسى أهل البلاء، وبه الاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء " فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة، إنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه، وأقل ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام "، وبه يندفع النوم ويدوم السهر (لأن من شبع، شرب كثيرا، ومن كثر شربه، كثر نومه)، " وفي كثرة النوم ضياع العمر، وفوت التهجد، وبلادة الطبع، وقساوة القلب " وبه تتيسر المواظبة على العبادة (لأن الأكل يمنع من كثرة العبادات، لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل وشراء الطعام وطبخه وغسل اليد وكثرة التردد إلى بيت الماء، لكثرة شربه)!
ويستفيد من قلة الأكل صحة البدن، وبالجوع وقلة الأكل، تخف المؤنة وبقلة الأكل يتمكن من الإيثار والصدقة بما فضل من الأطعمة على اليتامى والمساكين، فيكون في يوم القيامة في ظل صدقته.
ويجعل الغزالي للأكل صفة اجتماعية منظمة، فيرى أن من آدابه أن يجتهد الإنسان في تكثير الأيدي على الطعام، ولو من أهله وولده، ويدل على احترام الغزالي للأكل ورفعه له عن خسة المادية، ذكره أن من الآداب التي تتقدم على الأكل " غسل اليد، لأن اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال، فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة، ولأن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة "، وذكره أن من آداب حالة الأكل أن يبدأ ببسم الله في أوله، وبحمد الله في آخره، ويأكل باليمنى، احتراما له (1).

(1) راجع 91 - 93 من الثقافة الروحية في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي لمحمود علي قراعة.
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»