الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٧٦
(2) فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه، ثار من هذه المعرفة تألم للقلب وتأسف، بسبب فوات المحبوب بفعله، (يسمى ندما)!
وتتمكن مرارة تلك الذنوب في قلبه بدلا عن حلاوتها، فيستبدل بالميل كراهية، وبالرغبة نفرة دائمة!
(3) فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى، انبعثت منه في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال (بالترك لكل محظور هو ملابس له، وأداء كل فرض هو متوجه عليه في الحال) وبالماضي (بتلافي ما فات بالجبر والقضاء، إن كان قابلا للجبر) وبالمستقبل (بالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر، بأن يعقد مع الله عقدا مؤكدا، ويعاهده بعهد وثيق أن لا يعود إلى تلك الذنوب ولا إلى أمثالها) - وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده، ويجعل العلم كالمقدمة، والترك كالثمرة!
والتوبة واجبة بجميع أجزائها الثلاثة: العلم والندم والترك، وهي واجبة على الفور.
وظاهر الكتاب قد دل على هذا، إذ قال تعالى: " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون، لعلكم تفلحون "، ونور البصيرة أيضا يرشد إليه، إذ معنى التوبة الرجوع عن الطريق المبعد عن الله، المقرب إلى الشيطان.
والغزالي يرى أن كل بشر لا يخلو عن معصية، إما بجوارحه، وإما بالهم بالذنوب بقلبه، وإما بوساوس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله، وإما بغفلة وقصور في العلم بالله وصفاته وأفعاله، ويقول إنه " لا يتصور الخلو في حق الآدمي عن هذا النقص، وإنما يتفاوتون في المقادير فإذا بلغ كافرا فعليه التوبة من جهله وكفره، وإذا بلغ مسلما تبعا لأبويه غافلا عن حقيقة إسلامه، فعليه التوبة من غفلته بتفهم معنى الإسلام، فإن فهم ذلك، فعليه الرجوع عن عادته، بالرجوع إلى قلب حدود الله في المنع والإطلاق والانفكاك والاسترسال "!
" ليست التوبة للذين يعملون السيئات، حتى إذا حضر أحدهم الموت، قال إني تبت الآن، إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»