والغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال، رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا، ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله والبغضة له والنفار عنه، وأن يدوم ذلك ويبقى! وإذا أنعم الله على أخيك بنعمة (كدار حسنة أو امرأة جميلة، أو ولاية نافذة، أو سعة)، فلك فيها حالتان، إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسدا، وهو حرام (إلا نعمة أصابها فاجر، وهو يستعين بها على الفساد)، والثانية أن لا تحب زوالها، ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، وهذه تسمى غبطة وقد تختص باسم المنافسة، وهي محمودة (1)!
ويقول الغزالي: إن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل، قال تعالى: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم "، أما الفعل فهو غيبة وكذب، وهو عمل صادر عن الحسد، وهذا الحسد معصية بينك وبين الله تعالى، ويجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح (بقول أو فعل)، والمستغرق بحب الله تعالى لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد، بل ينظر إلى الكل بعين واحدة وهي عين الرحمة، ويرى الكل عبادا لله وأفعالهم أفعالا لله ويراهم مسخرين، وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه، والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة حب زوال النعمة وضعفه (2)!
ويقتضي الكلام عن الألفة مع الناس، الكلام عن معاملة عمومهم وتواده لمعارفه منهم وحقوق صحبه وزوجه.
ويقول الغزالي " إن حقوق المسلم، هي: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات وتبر قسمه إذا أقسم عليك، وتنصح له إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك "!